اشترك الان
 

العودة   منتديات الشبول سات > المنتديات العامة والمنوعة > منتدى الأبحاث والكتب والبرامج التعليمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-13-2010, 04:17 PM
الصورة الرمزية ابو فارس
ابو فارس ابو فارس غير متواجد حالياً
 




معدل تقييم المستوى: 0 ابو فارس على طريق التميز
افتراضي قراءة نقدية في ديوان الشعر السعودي المعاصر

لم تكن قراءتي في ديوان الشاعر على آل عمر عسيري من قبيل الصداقة أو لغرض الكتابة في جريدة أو مجلة ، لان ذلك لم يكن ليعنيني بقدر ما تعنيني القراءة ذاتها ، ولأنني أنفقت وقتا وجهدا غير قليلين في دراسة الشعر العربي السعودي في السنوات العشر الماضية دراسة أكاديمية جادة تحت عنوان " الشعر العربي السعودي المعاصر نشأته واتجاهاته الفنية ، حصلت بها على درجة الماجستير في الأدب العربي من إحدى الجامعات المصرية .
وقد أفردت في دراستي على كبر حجمها مبحثا صغيرا تحدثت فيه عن شعراء الجبل الثالث في المملكة العربية السعودية ، وأعني بهم الشعراء الشباب ، ومع علمي مسبقا بأن ما كتبتيه عنهم لا يفي بالغرض الذي أنشده ، فقد عقدت العزم على أن يكون نتاجهم الشعري موضوع دراستي لأطروحة الدكتوراه إن شاء الله ، وإن كنت على يقين بأن هذه الدراسة تتطلب مني جهدا كبيرا ، إلا أنني لم أتوان في انجازها لأنها تكمل ما بدأت به ، وأكون قد أوفيت بالعهد...
وشعراء الجيل الثالث أو الشعراء الشباب الذين ينتمي إليهم شاعرنا هم أولئك الذين ولدوا على أعتاب النكبة الفلسطينية ، وفطموا على نكسة حزيران ودرجت طفولتهم وترعرع شبابهم على تربة مليئة بالمتناقضات والماديات ، وما صاحب ذلك من صراع بين الخير والشر ، والمثل والفوضى ، وما رافقها من ألم وجوع وحرمان ، وقلق نفسي وغربة ورحيل دائم بحثا عن الذات في لجج البشرية المتصارعة من أجل تحقيق الانا .
جاءوا ليكونوا ثورة مدوية على أوضار المجتمع وأوزاره ، ثورة على كل قديم بال ، والتعمق داخل النفس الإنسانية ، وسبر أغوارها ، والشعور بما في أعماقها .
وقد ترجم هؤلاء الشعراء سواء داخل المملكة العربية السعودية أو في بقية أقطار العالم العربي ، محصلة أحاسيسهم إلى قصائد شعرية لفها الرمز والغموض حينا ، واحتواها اليأس والقنوط والهروب من الواقع المرير المؤلم أحيانا أخرى ، وباتوا ينشدون واقعا أكثر خيالا ، وأدق همسا ، فجاءت أشعارهم مهموسة تخاطب الروح والنفس رافضين ما للعقل من هيمنة على نتاجهم الأدبي ، ومن شعراء هذا الجيل على سبيل المثال : سعيد الحميدين ، احمد الصالح ، علي الدميني ، إبراهيم الفوزان ، محمد العلى ، مفرج السيد ، حمد الزيد ، عبد الرحمن العشماوي ، عبد الله عبد الرحمن الزيد ، محد الثبيتي ، أحمد النعمي ، عبدالرحمن الدبيان ، وشاعرنا علي آل عمر العسيري وغيرهم أخرون لم تحضرني الذاكرة بذكر أسمائهم .
وفي هذه القراءة العجلى لا أريد أن أخوض في الدوافع ولا في الخصائص التي اتسمت بها أشعارهم إلا بالقدر الذي يخدم القراءة حرصا على عدم تشعب الموضوع ، واعدا في دراسة قادمة لديوان آخر أن أتطرق لما غفلته في قراءتي هذه أن شاء الله .
والديوان الذي بين أيدينا من القطع الصغير ، صدرت طبعته الأولى في هذا العام 1411 هـ الواق 1990م عن النادي الأدبي بأبها ، ويحوي إلى جانب الإهداء خمس عشرة قصيدة زواج فيها الشاعر بين نمطين من الشعر ، هما الشعر الحر ، والشعر التقليدي .
ومن خلال عنوان الديوان وما اشتمل عليه من قصائد ، كقصيدة لافتة ، وغيرة الضمائر والنقمة ومفترق الخانجر ، نلمس ثورة داخلية عارمة تجتاح الشاعر ، نتيجة لما يحس به ويعانيه من قلق نفسي وإحباطات وصراعات تحيط بامتنا العربية والإسلامية من جانب ، وبما يعتري بعض مجتمعاتنا من تناقضات وآفات مرضية لا أخلاقية ، كاللهاث وراء المظاهر البراقة الخادعة والزيف في التعامل وعدم المصداقية من جانب أخر ، ونلح هذا في قوله من قصيدة لافتة :
زمن القلق المشرع للازمات ...
وصراع النزوات...
تسحقني ..
في الداخل منك طواحين ...
تذروني لرياح اللاءات...
وما من شك أن الشاعر كغيره من شعراء جيله لا في المملكة العربية السعودية فحسب وإنما على امتداد الوطن العربي ، يعيش حالة من القلق النفسي ، والغربة والضياع الذي يفجر في دواخله هذه الثورة وذلك التمرد ، تمرد على كل شيء ، حتى على قلمه الذي هو الوسيلة التي يحفر بها ما تنبجس عنه أحاسيسه ومشاعره ، فها هو يصرخ عاليا بأن قلمه لم يعد يسعفه في رسم هواجسه وهمومه وترجمة مداركه وعواطفه ، لأن هذا القلم ما عاد هو السلاح الذي لا يحسن استعماله إلا ذوو المشاعر والخواطر التي تصدر عن رؤى صادقة ، وإنما أصبح مطية طيعة يعتليها كل متسلق باليد ، فاسمعه يقول من قصيدة قلم الشعر :
أطوى على قلمي حداده
وأطوف من يشرى مداده
ما عاد يلهمني الرؤى
ودمي نذرت العمر زاده
......
......
وهربت منه إليه في
زمن يذم بلا هواده
هذا يؤول ما كتبت
وذاك يستعدى مراده
أو بين محسوب على
أدب الموائد ذا سيادة
ازرى به لقب الاديب
وقد تليق به البلاده
إن الغربة التي يعاني منها الشاعر ، رغم أنه يعيش بين ظهراني أهله وصحبه ، ويتمتع بصحبتهم في ربوع وطنه ، ما هي الا حتمية من حتميات الغربة النفسية التي أفرزتها جراحات الأمة العربية على امتداد مسافاتها وتباين أقطارها ، فهي غربة الحرف والكلمة واللغة والمصير المشترك كما يقول شاعرنا أنها غربة الضياع والتمزق الذي ينتابنا اليوم ، يقول من قصيدة : غربة الحرف :
لغتي يا نبض وعيي ودمي
وارتفاعي لمدار العظمهْ
أنت مني ... كيف أحيا عزبا
أعجم الفكر ـ هنا ـ منهزمه
أشعلي من لمعة الصبح سنى
وأريحي عن طريقي ظلمه
لغة تنساب في أوردتي
كاحتقان الأذن همس النغمة
ولا زلنا نهوّم مع شاعرنا يحدونا بأغنياته ، فيشنف آذاننا وترقص معه أفئدتنا طربا وثورة ، طربا لما في هذه القصائد من ومضات مشرقة تأسر القلوب في أفكارها وصورها ولغتها ، وثورة لأنه يفجر في دواخلنا كوامن الجراح التي ما تلبث أن تلتئم حتى تتفتق من جديد ، ففي قصيدة غيرة الضمائر يوجه الشاعر نداءً ، بل صرخة مدوية يحاول بها إيقاظ الضمائر التي شاخت وهرمت ، وانطفأت فيها جذوة العزيمة ، والنخوة والإرادة ، فهو يدعو إلى ثورة مدمرة تحرك في نفوسنا الحمأة ، وتقوى فينا التمرد على كل ما يعيق مسيرة الأمة استمع إليه يقول :
يا أيها الزمان والمكان ..
شاخت وجوه أمتي
وحام فوق حاجبي جراحنا "نسر"
وفي منقاره حصاة عزنا
يغيظنا بذلنا
وينفض الغبار في وجوهنا حين
انقضاضه وعندما يحلق
ونحن تحته نصفق
وناعق يوسع المدى ..وناعب يغرق
ثم يقول :
تململي يا غيرة الضمائر "
ثوري لنا .. ثوري لكل صامت
وصابر
كسّري
أثيري النقع في سنابك الخيول ...
ولا ينفك شاعرنا متمردا ثائرا يواصل انتفاضته ، هاتفا بهؤلاء الذين يبست قلوبهم ، وتصلبت شرايينهم ، وتسمرت خطاهم ، هؤلاء الذين هم عمد الأمة ، ولكن أي أمة ، أنها أمة الزيف والخداع ، أمة الخنوع والذلة والمهانة هذه الأمة التي تنكرت لأوطانها ، وعاشت غريبة عنها ، تلهث وراء السراب تسرق ولا تمنح ، تأكل والوطن يتضور جوعا ، تشرب والكل ظامئ ، ولا من مغيث أو مجير ، فاسمعه يقول من قصيدة النقمة :
أيها الشعب انتفض
جار واستشري المرض
وانتفض ...
نصب الشكوى على الأقصى نضالا... ورفض
واحتمى بالأرض ، والأرض اضطرب ومضض
وانتفض
لم يعد بد من الثأر المدمى
أو عوض فاتعظ ...
وفي مفترق الخناجر لا يزال لهيب الثورة الذي يحرق فؤاد شاعرنا متأججا ، فهو كالمارد المنتصب ، كالبركان المتفجر ، بل هو الغضب ، أو الإعصار المدوي الذي ينذر بالدمار ، إن في داخل شاعرنا ثورة تحركها آلام وأحزان ومآس ونكبات وقتل وتشريد وجوع وحرمان يعاني منها شعبنا العربي في فلسطين المحتلة ولبنان ، واليوم توسعت الجراح وازدادت الهموم لما يعانيه أهلونا في الكويت من أثار الغزو العراقي ، وما يكابده شعب العراق من ظلم على أيدي جلاديه ، فاستمع إليه يقول تحت عنوان جانبي : اعترف :
أدناهم وهذى الريح نافرة تؤز ديارهم ازا
وأسرجنا إلى الثارات السنة سلكناهم بها جزا
وأجهزنا بكل شتيمة تخزى وكل عبارة أخزى
نثرثر ـ يا بني وطني ـ ونغرق في مدارات بلا مغزى
وإن أصواتنا ائتلفت ، تفرقت البنادق أو غدت لغزا
أنها سخرية الشاعر الذي يحس بمرارة الموقف ، سخرية أقوى من الثورة ذاتها ، فعلّها تكون المحرك لأمتنا العربية نحو التلاحم لا نحو التشتت ، والانهزام ، ولم يفت شاعرنا أن يذكرنا بمشهد من مشاهد البطولة والتضحية والتلاحم متجسدة في انتفاضة الحجارة التي يصطلي بنارها الصهاينة المعتدين فهو يقول تحت عنوان جانبي : أنموذج :
أيا أبطال ثورتنا وقد كنتم لسر جهادنا رمزا
تبارك فيكم الإصرار واهتزت له الإبطال واهتزا
سنستهدي حجارتكم لنا برءا ـ بإذن الله ـ أو حرزا
ولا يفوت شاعرنا أن يتوج ثورته الداخلية بهذه الروح الإسلامية الفذة ، فهو يصدر عنها ويعب من معينها ، ولا تنفك تنبعث رائحتها الطيبة ووميضها الذي يضئ القلوب من ثنايا قصائده ، فلا تكاد قصيدة تخلو من هذه الروح العقبة ، وهي انعكاس حقيقي لصحوة إسلامية شبابية جلجل صوتها عاليا في السنوات العشر الأخيرة ليهز أركان الفجور والنزق غير الأخلاقي والردة الدينية التي أصابت الكثير من أبناء المسلمين .
وقد كان تأثر شاعرنا بروح الإسلام واضحا جليا في جل قصائده سواء باستخدامه بعض الألفاظ الإسلامية التي استقاها من القرآن الكريم أو بمعالجته لبعض القضايا الإسلامية التي ما انفك المسلمون يعانون من وطأتها .
وتأثره بألفاظ القرآن الكريم فواضح في قوله :
إذ تخطون فراغا شاحبا
تتدلى فيه نار الحطمة
وفي قوله :
أدنّاهم وهذى الريح تؤز ديارهم أزا
وفي قوله :
وأطبقنا على أحسابهم جدلا وأصليناهم رجزا
أما ما تضمنه شعره من ملامح إسلامية فنجده في قوله من قصيدة :
" يدك اليسرى " التي يتحدث فيها عن ابنته التي التهم الماء الساخن يدها اليسرى :
أشعر أن أخطأت طريقي
حين خرجت كفلاح صادره موج الطمع العازم ...
أخطأت بتحديقي ..
لكن ما الحيلة ...
والأمر هنا وهناك إلى الله ...
ونرى هذا واضحا أيضا في قوله من قصيدة يتحدث فيها عن فتاة مسلمة قتلت على يد أحد الشيوعيون وهي تحتضن ابنها الرضيع فماتا معا :
سكرات الموت هابت من تفاصيل الدماء
وعيون أجهشت ـ مما تراه ـ بالبكاء
هالها المصرع لكن أيقنت ..
أن من مات شهيدا في سبيل الله تؤويه السماء
ويقول في موضع أخر من نفس القصيدة معلنا عن هذه الصحوة الإسلامية التي سرت روحها في شباب المسلمين :
علمونا أيهال الأبرار معنى من معاني صحوة الجيل الجديدة
أن روح المسلم الحق بها تحيا وإن كانت عميدة
وتراب الأرض يهتز لها شوقا وإن ظلت بعيدة
وتتجلى هذه الروح الإسلامية التي تشربت بها نفس الشاعر في قوله من قصيدة : حمير اللذة ، وفيها ينتقد وبشدة منظرا من المناظر السيئة في شواطئ مدينة جميلة بأحد البلدان الإسلامية :
ماذا أن قلنا أين الخوف من الله ؟؟
ماذا أن قلنا أين الجنة والنار ؟
ماذا أن قلنا أين القبر وسوء الدار ؟
ماذا أنتم ؟ بشر .. حيوانات .. أحجار ؟
وبهذا العرض السريع نكون قد أتينا على جل قصائد الديوان محلقين مع شاعرنا في أجواء علوية استمتعنا فيها بسيمفونية جد معبرة نتوق إلى مثلها من الشاعر ، غير أنه لا يفوتنا أن نذكر شيئا عما خرجنا به من انطباعات ، خاصة إذا ما نظرنا إلى قصائد الديوان من منظور فني ، وهذه الانطباعات تتعلق بنهج شاعرنا الشعري ولغته وخياله ..

 

 

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شبكة mbc الفضائية تستحوذ على الدوري السعودي حسام مشعل منتدى الترددات والقنوات الفضائية 2 08-04-2014 03:28 PM
خاص نجاح إطلاق القمر السعودى سعودى سات 4 حسام مشعل منتدى الترددات والقنوات الفضائية 1 06-21-2014 01:46 AM
اتجاهات الشعر العربى المعاصر دراسة بحثية خالد الشبول منتدى الأبحاث والكتب والبرامج التعليمية 0 02-16-2012 02:35 PM
قراءة نقدية في ديوان تفاصيل في خارطة الطقس ابو فارس منتدى الأبحاث والكتب والبرامج التعليمية 3 10-14-2010 02:11 PM
قراءة في ديوان هواجس في خارطة الوطن ابو فارس منتدى الأبحاث والكتب والبرامج التعليمية 2 10-13-2010 04:23 PM


الساعة الآن 01:04 PM
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.