حديث: خير الصداق أيسره
الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
حديث: خير الصداق أيسره
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الصداق أيسره؛ أخرجه أبو داود وصححه الحاكم.
المفردات:
خير الصداق: أي أحسن المهر وأفضله وأعظمه بركة.
أيسره: أي أسهله على الزوج.
البحث:
من المقرر في شريعة الإسلام أنه لاحد لأكثر المهر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20]، فهو نص على جواز أن يكون المهر قنطارًا، والقنطار قيل هو ألف ومائتا أوقية ذهبًا، وقيل ملء جلد ثور ذهبًا، وقيل سبعون ألف مثقال. كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج على خمسمائة درهم كما مر قريبًا في الحديث الثاني من أحاديث هذا الباب، وقد يكون المهر حديقة أو قصرًا، أو نحو ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبَل الحديقة وطلَّقها تطليقة، كما سيجيء هذا الحديث في باب الخلع إن شاء الله تعالى، ولكن لما كان الإسلام دين السماحة واليسر والسهولة، وجاءت قواعده بدفع الحرج والمشقة والتعسير، كانت المغالاة في المهور غير مستحبة، وقد روى أصحاب السنن بسندٍ صحَّحه ابن حبان والحاكم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تغالوا في صدقات النساء، ولفظ النسائي قال: أخبرنا علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مشمرخ بن خالد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب وابن عون وسلمة بن علقمة وهشام بن حسان - دخل حديث بعضهم في بعض: عن محمد بن سيرين قال سلمة: عن ابن سيرين نُبِّئت عن أبي العجفاء، وقال الآخرون: عن محمد بن سيرين عن أبي العجفاء، قال: قال عمر بن الخطاب: ألا لا تغلوا صُدق النساء، فإنه لوكان مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: كُلفت لكم علق القربة، وكنت غلامًا عربيًّا مولدًا، فلم أدر ما علقُ القربة قال: وأخرى يقولونها لمن قتل في مغازيكم أو مات: قُتل فلان شهيدًا، أو مات فلان شهيدًا، ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف راحلته ذهبًا أو ورقًا يطلب التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قُتل في سبيل الله أو مات، فهو في الجنة؛ اهـ، وقوله في هذا الحديث: كلِّفت لكم علق القربة، أي تحملت من أجل الزواج بكِ ومن أجلك كلَّ شيء حتى علق القربة، وهو حبلُها الذي تُعلَّق به، ويروى: عرق القربة بالراء؛ أي: تكلفت إليك وتعبت حتى عرقت كعرق القربة، وعرقها سيلان مائها، وقيل: أراد بعرق القربة عرق حاملها من ثقلها، وقال الأصمعي: عرق القربة معناه الشدة، وقوله في الحديث: أوقر عجز دابته، الوِقر بالكسر: الحمل، وأكثر ما يُستعمل في حمل البغال والحمير، وقوله: أو دف راحلته: دف الرحل هو جانب كور البعير وهو سرجه، ورجال هذا الحديث كلهم من رجال الشيخين، سوى أبي العجفاء فهو مقبول، أما ما نُسب إلى عمر رضي الله عنه أنه لَما نهى عن المغالاة في المهور، اعترضت عليه امرأة بأن الله تعالى قال: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20]، فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، أو قال: كل الناس أفقه من عمر، فهو خبر غير صحيح؛ إذ ليس في الآية حضٌّ على المغالاة في المهور، وليس فيها ما يمنع من النهي على الغلو في المهور، وليس فيها ما يمنع من النهي على الغلو في المهور، وإنما فيها تحذير الأزواج من الاعتداء على مهور أزواجهنَّ مهما كانت حفظًا لحقوق النساء، ولم يثبُت خبرُ اعتراض المرأة بهذا على عمر من وجه صحيح، وإنما أخرجه عبدالرزاق وأبو يعلى والزبير بن بكار من طرق كلها معلولة، والله أعلم.
الألوكة
............