شرح حديث عدي بن حاتم: اتقوا النار ولو بشق تمرة
عَنْ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ - رَضْيَ اللهُ عَنْه - قَالَ: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: «اتَّقُوا النَّار ولو بِشِقِّ تمرةٍ» متفق عليه.
وفي روايةٍ لهما عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما منْكم مِنْ أحدٍ إلَّا سُيكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه ترْجُمان فينظرُ أيمنَ منه فلا يرَى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأم منه فلا يرَى إلَّا ما قدَّم، وينظرُ بينَ يديِه فلا يرَى إلَّا النَّار تلقاءَ وجهِهِ فاتَّقُوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ، فمَنْ لم يجِدْ فبكلِمةٍ طيِّبةٍ».
قال العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ – رحمه الله -:
هذا الحديث في بيانِ شيءٍ من طرق الخيرات، لأن طرق الخيرات - ولله الحمد - كثيرة، شرعها الله لعباده ليصلوا بها إلى غاية المقاصد، فمن ذلك الصدقة، فإن الصدقة كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماء النَّارَ» يعني كما لو أنك صببت ماءً على النار انطفأت، فكذلك الصدقة تطفئ الخطيئة.
ثم ذكر المؤلفُ هذا الحديث الذي بيَّن فيه أن الله - سبحانه وتعالى - سيكلم كل إنسان على حدة يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ﴾ [ الانشقاق: 6]، يعني سوف تلاقي ربك ويحاسبك على هذا الكدح، أي الكد والتعب الذي عملت، ولكن بشرى للمؤمن، كما قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223]، الحمد لله. المؤمن إذا لاقى ربه فإنه على خير.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترْجُمان» يعني يكلمه الله يوم القيامة بدون مترجم، يكلِّم الله كلَّ عبدٍ مؤمن، فيقرره بذنوبه، يقول له: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فإذا أقرَّ بها وظن أنه قد هلك، قال: «إنِّي قد سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم» فكم من ذنوبٍ علينا سترها الله عزَّ وجلَّ لا يعلمها إلا هو، فإذا كان يوم القيامة أتم علينا النعمة بمغفرتها وعدمِ العقوبة عليها. ولله الحمد.
ثم قال: «فينظرَ أيمن منه» يعني عن يمينه «فلا يرى إلَّا ما قدَّم، وينظر أشام منه» أي عن يساره «فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النَّار تلقاء وجهِه». قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فاتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ»، يعني ولو بنصف تمرة أو أقلّ. أتَّقِ النارَ بهذا.
ففي هذا الحديث دليل على كلام الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام مسموع مفهوم، لا يحتاج إلى ترجمة، يعرفه المخاطب به.
وفيه دليل على أن الصدقة ولو قلَّتْ تنجي من النار، لقوله: «اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ».
قال: «فإنْ لم يجدْ فبكلمةٍ طيّبةٍ» يعني إن لم يجد شقَّ تمرةٍ فليتَّقِ النارَ بكلمة طيبة.
والكلمة الطيبة تشمل قراءة القرآن، فإن أطيب الكلمات القرآن الكريم. وتشمل التسبيح والتهليل، وكذلك تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشمل تعليم العلم وتعلم العلم، وتشمل كذلك كل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه من القول، يعني إذا لم تجد شق تمرة فإنك تتقي النار ولو بكلمة طيبة. فهذا من طرق الخير وبيان كثرتها ويسرها، فالحمد لله أن شق التمرة تنجي من النار، وأن الكلمة الطيبة تنجي من النار. نسأل الله أن يجنبنا وإياكم من النار.
♦♦♦♦
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 201 – 203)
الالوكة