المصادر والمراجع
1- القران الكريم.
2- ابن الآثير، ضياء الدين الموصلي: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، طبع بولاق، 1282هـ.
3- ابنُ الاثير؛ علي بن محمد بن عبد الكريم: الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1966، مجلد 8.
4- ابن مسكوبة، احمد: تجارب الأمم، طبع شركة التمدن الصناعية، مصر، 1915، بوقوفAmedroz ، نشر لندن، سنة 1921، ج2.
5- ابن منظور، عبد الله محمد المكرم الأنصاري: لسان العرب المحيط، تقديم العلامة عبد الله العلايلي، وإعداد يوسف خيّاط، بيروت، دار لسان العرب.
6- ابو ديب، كمال- (الدكتور): في الشعرية، بيروت: مؤسسة الابحاث العربيـة، ط2، 1987.
7- ابو ناجي، محمود حسن عبد ربّه (الدكتور): الحَرْبُ في شعرِ المتنبي، جَدَّة، دار الشروق، ط1، 1980، جزءان.
8- الأيوبي وزملاؤه: الموسوعة العسكرية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
9- البديعي يوسف: الصبحُ المنبي عن حيثيتهَ المتنبي، مخطوط دار الكتب المصرية، ورقمه 533 ورقة منسوخ سنة 364.
10- البرقوقي، عبد الرحمن: ديوان المتنبي، بيروت، دار الكتب العربي، 1980
11- الثعالبي، أبو منصور: يتيمة الدّهر، طبعة اسماعيل الصاوي، بمصر، 1934م.
12- الحموي، ياقوت: معجم البلدان، بيروت، دار صادر.
13- الدنيوري، عبد الله بن قتيبة: كتاب المعاني الكبير في ابيات المعاني، بيروت، دار الكتب العلمية، كتاب الخيل، ج1.
14- ديوان أبي فراس الحمداني، طبع بيروت، 1910م.
15- ديوان أبي الطيب المتنبي: شرح هوامشه وكتبها مصطفى سبتي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية.
16- ديوان المتنبي؛ وضعه عبد الرحمن البرقوقي، بيروت، دار الكتاب العربي، 14هـ، 1980م.
17- الربايعة، حسن (الدكتور): الصُّورةُ الفنيّةُ في شعر البحتري- رسالة دكتوراه- الجامعة الاردنية، 1994.
18- الرّباعي، عبد القادر (الدكتور): الصُّورةُ الفنيةُ في النّقد الشعري- دراسة في النظرية والتطبيق، الرياض- دار العلوم والنشر، 1984.
19- قُدامة بن جعفر: الخَراج وصِناعةُ الكتابة، تحقيق وشرح الدكتور محمد حسين الزبيدي، بغداد، دار الرشيد، وزارة الثقافة والاعلام- سلسلة كتب التراث، طبعة أولى، 1981.
20- الكلبي، عبد الله بن محمد الجزي: كتاب الخيل: مطلع اليُمن والإقبال في انتقاء كتاب الاحتفال، تحقيق محمد العربي خطابي، بيروت، دار الغرب الاسلامي، 1986.
21- الكلبي: كتابان في الخيل- نَسَبُ الخيل لابن الكلبي؛ وأسماء الخيل وفرسانها لابن الاعرابي لابي منصور الجواليقي، بمجلد ، تحقيق د. نوري حمودي القيسي والدكتور حاتم الضامن، بيروت، عام الكتب، 1987.
22- الكلبي: انسابُ الخيل في الجاهلية والإسلامِ وأخبارُها، تحقيق احمد زكي، نسخة مصوّرة عن دار الكتب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977.
23- ليسترانج كي: بلدان الخلافة الشرقية، تعريب بشير فرنسيس، وكوركيس عواد، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ، 1985.
24- المانع، سعاد عبد العزيز (الدكتورة): سَيفياّت المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي، جامعة الرياض، 1987.
25- المحاسني، زكي (الدكتور): شعر الحرب في أدب العرب في العصرين الأموي والعباسي، دار المعارف بمصر، ط2.
26- مؤنس، حسين (الدكتور): أطلس تاريخ الاسلام، القاهرة، الزهراء للاعلام العربي، ط1، 1987م.
"الشُّئونُ الإداريةُ في الحرب عند المتنبي"
ُملّخص الدراسة:
للشئونِ الإداريّةِ في الحَرْبِ عند المتنبي حضور عزف البَحَثَةُ على كثرتهم عن درسِها، على الرُّغم من تنوع موضوعاتهاِ فيه، وهو الذي قيل عنه "مالئُ الدّنيا وشاغلُ الناس" ونظرا لأهميةِ الإدارةِ بتفرعاتهاِ المتعدّدة في ميدانِ الحربِ، فقد نهضت الدراسة بمقدمةِ مبتسررة وثلاثة محاور على النحو التالي:
أولاً: الشئون الإدارية مصطلحا في الحرب.
ثنيا: الاتصالات، تعريفا وأقساما وأنموذجات عليها.
ثالثاً: الشئون الإداريةٌ مخطّطا وأقساماً وأنموذجات كافية عليها.
أمّا في المحور الأول فَتَمَّ تحديدُ المصطلحِ الخاصِ بالإسناد الإداري، إنسانا وموادَّ في فِقْرَةٍ مُهمّهَ في أمرِ العملياتِ الحديث.
وفي المحور لثاني: حُدَّدَتْ الاتصالاتُ تعريفاً، وَقُسّمَتْ صنوفا منها: الدَّلالةُ والأعلامُ والإشاراتُ والرُّموزُُُُُ وغيرُها.
وأمّا في المحور الثالث: فتكلَفنا مُخطّطا من تسعةِ فروعِِ رئيسة: تدرس شرائح في الصيانِة والتكديس، وتوفيرِ الماء، والاستراحةِ، والمراسمِ، والقتلى، والجرحى- مسلمين وروماً- والأسرى والسّبايا. واختتمت بالطَّبابة. وقد قُدّمت أنموذجات كافية من الشعر؛ تدليلا على كُلَّ فَرْعٍ فيها، مما يُعَزَّزُ أهميةَ الشّعرِ، في تجليةِ ما تسكتُ مصادرُ التاريخِ عنه في أحايين كثيرة.
ــــــــــــــــ
*نشر هذا البحث في مجلّة جامعة جرش الأهليّة، للبحوث والدراسات، المجلد2، عدد1، كانون أول 1997 ، ص133-172.
1. مقدمة
لا ريبَ في أَنَّ للشؤونِ الإداريّةِ في الحربِ عند المتنبي حضوراً، عَزَفَ البَحَثَُة- على كثرتهم(1) - عن درسها، علىالرُّغمِ من تنَّوعِ موضوعاتهِم فيه، وهو الذي قِيل عنه: مالئُ الدُّنيا وشاغلُ النَاسِ، وذلك إمّا لِتَنَبهُّهِمْ إلى صُوَرِ الحربِ عندَهُ، فكلماتُه تتوهَّجُ في أتون المعاركِ فُرسانا، أوْ أَنَّ البَحَثَةَ في مجالِ شئونِ الإدارةِ بحاجة إلى خبرة ما تستوقفهم في ميدانها، وحاجتُهم الحقَّةُ ليس إلى الاطلاعِ على أوامر العملياتِ الحربيّة حَسْبُ، بل إلى مُمَارستِها في ميدانِ المناوراتِ والحَرْبِ، إذ لاغَناءَ في الأوامرِ الحربيّة عَنْ فِقّرَةِ الشؤونِ الإداريةِ لأِهميّتها.
ولعلّ في خلو وِفاضِهم، من هذه الزاويةِ- في حدود ما اطّلعتُ عليه- أنْ يَشْغُرَ للدارس فُسْحَةً من البحث يراها جديدةً، فيدرسُها من محاورَ محدّدةً على النحو التالي:
أولاً: الشؤونُ الإداريّةُ مصطلحا في الحرب.
ثانياً: الاتصالاتُ، تعريفاً، وأقساماً وأنموذجات عليها.
ثلثاً: الشئون الإدارية، مخططا وأقساما وأنموذجات عليها.
أولا
الشؤون الإدارية مصطلحا في الحرب Adminstrative matter logistics تعني تخطيط َكافّةِ القضايا العسكريةِ الداخلية، في التعبئة أو السُّوق، وهي تُعَدُّ رئيسةَ لقضايا الخاصّةِ بالإسنادِ الإداريِ. وإِدارةِ الأشخاصِ، وتعالجُ تعميمَ الموادَّ وتطوَّرَها، والحصولَ عليها وادّخارَها، وَتَنَقّلها وتوزيَعها، وإدامتَها، وإخلاءَها وترتيَبها، وتنقلُ الأشخاصَ وتُخليهم، وتُعنى بِضيافَتِهْمِ، وهي معنيَّةٌ بالحُصولِ على المنشآتِ السكنيّة أو إنشائِها، وإدامَتِها وترتيبِها، ومن واجباتِها الحصولُ على تجهيزاتِ القواتِ المسلَّحةِ، هذا من جهة، ومن أخرى تُعدُّ الشئونُ الإداريةُ أحدَ مبادئِ الحرب، لِأنّها تُعطي القائَد الحريَّةَ التامَّةَ، للعمل على تنفيذِ الخُطَّة، بأن تكونَ منظومَتُهُ الإداريةُ بسيطةً، وأن تكونَ للقائد درجة معينة من السيطـرةِ عليها ،ضمن نِطاقِ قيادتهِ، كما أنّها جزءٌ مُهِمٌ من أمـر العمليـات(2) (Operation order).
ولأهميةِ الشؤونِ الإداريةِ أفردَ لها غيرُ باحثٍ دراسات(3) ، غيرَ أنَّ دراساتِهم لمْ تَتَناولْها من خلال الشعر عامة، باعتباره "ديوانَ العرَب" ولا من شعر المتنبي خاصّةً وهو غاية الدارس المنشودة، من جهة، ومن أخرى فَزَعَمَ بعضُ البَحَثَةِ منهم الجنرال (ج. ب. غلوب) في كتابهِ "الفتوحات العربية الكبرى" بأنَّهُ لُمْ تَكُنْ للعربِ استراتيجيةٌ في الحرب، بل هم خالو الوِفاضِ من الفنون العسكرية، وكانت الجيوشُ العربيةُ- كما يزعمُ- تبدو أرتالا من المتعصّبين الذين امتللأوا بالحماسةِ لدخولِ الجَنّة، فراحوا يَكْتَسِحون كُلَّ ما كان أمَامهم، بهجماتٍ محمومةٍ، دون أنْ يَمْتَلِكوا ناحيةً من علم الحرب(4). إذن فلندخل إلى ساح المتنبي من شعره، لِنَجِدَ رَدَّهُ، لا مِن خِلال فنونِ الحرب، فذاك يحتاج إلى بحوثٍ لِتَجليتها، ولكنَّ الردَّ قد يجليه المتنبي في إضاءاتهِ الشئونَ الإدارية، في ساحات الوغى، وهي التي في الحرب من الأهميّةِ بمكان.
ثانيا: الاتصالاتُ
الاتصالات تُعَدُّ وسيلةٌ مُهمَةً في تنظيم سير المعركة، عند احتدامها، وبها يَتَمُّ السيطرةُ على مُجرياِتها، ذلك لأنَّ الجُنْدَ بها يتعارفونَ، بلْ هي لغةُ التخاطبِ سواءً أكانت مشافهةً أم مُراسلة، أم إشاراتٍ أم رموزا، وبها تتحدَّدُ علاقاتُ الجيشِ مع غيرِه خارجَ الدولة، وَبِوساطَتِها تُفّهَمُ الخِطَطُ الحربيةُ داخلَ الجيش، وَتُنفَّذُ أوامرُه، فتدخلُ المعركةَ، وَجُنْدُهُ تعرِفُ ما لها من واجبٍ، وما عليها من تنفيذ.
ولئن كانت القيادةّ والاتصالاتُ تحتلُّ فِقْْْرَةَ خاصّةً- حتى اليوم- في أمرِ العملياتِ العسكريةِ، إضافةً إلى المَوقفِ والمَهَمَّةِ والتنفيذِ، فإنَّ إدخالَها في مُخَطَّطِ الشئونِ الإداريةِ إدخالٌ مُتَعمَّدٌ، لأِنَّهُ يُجَلّي أَهَمَّيتَها لما ينشعب ُعنها من إشاراتٍ ورموزٍ، ودلالاتٍ متعدّدة، بُغْيَةَ أن تُؤدَّيَ خِدمات إداريةً، وحربيةً جُلّى داخلَ المعركةِ وخارجَها.
وتنقسمُ الاتصالاتُ عِدَّةَ أقسامٍ يُبيَّنها المخطَّط التالي:
(1) (2) (3) (4) (5)
(1)
أَمّا الدلالَة فتعني الاستعانةَ بالادلاّء، لهدايةِ غيرِهم إلى أهدافهم، بُغْيَةَ مَنْعِهم من الضَّياع أو فقدانِ الاتجاهِ، سواءٌ كان ذلك ليلًا أو نهارا، توفيرا ًللوقت، واستعجالا لانجازِ المَهَمّة. وعليه فإنّ الدليلَ ذو سماتٍ حاذفة بالدَّلالةِ، خبيرٌ بالطُّرُقِ الموصلة، إلى أهدافهِ، فأطلقوا عليه الخِرَّيْتَ (5) كَأَنّما يَنْظُرُ في خَرْتِ الإبْرَة لِحِذْقِه، يتموّه كالحرباء في متاهاتِ الصّحراءِِ والأمكنةِ، لِيَكْشِفَ مداخلَ خَصْمِهِ وأرضِهِ، على أَلاَّ يُكْتَشَفَ هو نفسه، كما يصوره المتنبي(6):
يَتَلَوَّنُ الخّرِيْتُ من خَوفِ التوى فيهـا كما تتلوَّنُ الحِـربـاءُ
والدليل ذو أهمية، ليس في متاهات الصحراء فحسب، بل عندما تلبسُ الأرضُ حُلّتها بَيْضاءَ من ثَلْج، فَتَسُدُّ عليهِ مداخل الهدايةِ، فلابّد من دليل(7):
وَعِقابُ لُبْْنانَ وكيفَ بِقَطُعِهـا وهـي الشَّتاءُ وَصَيْفُهُنَّ شِتاءُ؟!
لَبِسَ الثلوجُ بها عليّ مَسالِكـي فكأنّهـا بِبَيـاضِهـا سَـوْداءُ
لقد كانَ الشاعرُ يدركُ أهميةَ الدليلِ الحصيف، وَيُفْهَمُ من شِعره، أنّ خبرةَ الدّليلِ ضرورةٌ في آستخبارِ ما يراه، شأنُ بعض غلمانِه ممن أخطاؤا استخبار ثَوْرٍ رأوه، فبعضُهم ظَنّه منارَة جامع، وبعضُهم ظَنّهُ نَخْلَة، فَضَحِكَ أبو الطيب ساخرا من نتائج استخباراتهم فقال: (8)
فَظَنّوا النَّعامَ عليكَ النَّخـيلَ وظنـَّوا الصَّوارَ عَليك المنارا
(2)
ومن وسائلِ اتصالاتِهم الأعلام، إذ كان لسيفِ الدولةِ، ممدوحِ المتنبي، علمٌ يَضْرِبون الأعداءَ تَحْتَ أفيائِه، وهو ممَّيزٌ للعسكريين والإداريين معا: (9)
وَتَحْتَ لِوائِه ضَرَبوا الأعادي َوذَلَّ لَهُمْ مِنَ العّرَبِ الصَّعابُ
والعلمُ أسودُ، شِعارُ بني العباس، فهو مميّز معروف(10):
كَأَجْناسِها راياتُها وشِعارُهـا ومـا لَبِسَتْهُ، والسَّلاح المسمَّمُ
ولعلَّ ما أثبتَهّ شلمبرجة الفرنسي، في كتابه عن ملك الروم نيسفور فوكاس "أنْ يُؤَكَّدَ أَنَّهُ كان للكتيبةِ العربيةِ، في زمنِ الشاعرِ أعلامٌ مُطَرَّزَةٌ بِخَطًّ كوفي، وعليها وشيٌ وَزَرْكَشَةٌ فنيَّةٌ، وفوقَها كتاباتٌ بطِرِازٍ كوفي "لا إله إلا الله" وذلك على أعلامٍ عِراضٍ، كانَتْ تُحْمَلُ بأيدي دراعين، من فَوْقِ صَهَواتِ خيولٍ عُراب، وكانَ في وَسَطِ أعلامِهم صورةٌ لفارسٍ، بين صُحْبَةِ الفرسان، قد أكبَّ على طَبْلٍ، تَحْْتَ يديهِ يَقْرَعُهُ، بحماسةٍ وعنف، وقد رَفَعَ مِقْرَعةً في الفضاء، وأهوى على الطَّبل بِمِقْرَعَة (11) ويبدو أنّ الأعلامَ العباسيَّة صنوفٌ، منها في ساحِ المعركة باللونِ الأسود، وعليها كلمةُ التوحيد، ومنها أعلام لفرق الموسيقا معهم طبولُهم.
وتتابعُ الأعلامِ يُعينُ على السيطرةِ في مجال الرؤيا، بين القُواتِ المسلّحة، حَتّى لا يُفْقَدَ الضّبطُ بين جنودِها عندئذ، ولَعَلَّ تكريرَه اللفظيّ يؤكدُ تدَفَّقَ الجيوشِ، في تقدمهم لتحقيق السيطرة(12):
إذا مَضَى عَلَمٌ منها بدا عَلَـمٌ وإنْ مَضَـى عَلَمٌ منِه بـدا عَلَمُ
(3)
ومن وسائلِ اتصالاتِهم الإشاراتُ: إذ كان يشار بها إلى الخيل المدرَّبة من بعيد فتفهم(13):
وَأَدَّبها طُوْلُ الِقتالِ فَطَرْفُـهُ يُشِيـرُ إليـها مـن بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
وهي لِحُسْنِ تدريبِها، تَتَبدَّلُ عِنْدَها مَهامُّ الحواسِّ، إذْ كانت تَسْمعُ بِعَيِنها وتفهمُ الَمرادَ في القصيدة ذاتها:
تُجاوِبُهُ فِعْلاً وما تَعْرفُ الوحى وَيُسْمِعُهـا لحظاً وما يَتَكَلـَّمُ
وَمِنَ الإشاراتِ طَمَعُ الطيرِ بِلحومِ أعداءسيف الدولة، لكثرة ما ألفه من خسائر خصومه، الأحياءِ مِنْهم، قبِل موتهم(14):
يُطَمِّعُ الطَّيْرَ فيِهْمِ طُوْلُ أكْلِهِمِ حتّى تَكادَ على أحيائِهـمْ تَقَـعُ
والنَّسْرُ يزورُ قتلى سيف الدولة فيأكلُ لَحْمَهم(15):
وَحَائٍن لَعِبَتْ سُمْرُ الرِّماح به فالعَيشُ هاجِرُهُ والنَّسْرُ زَائـُرِهُ
وكَثرةُ قتلى أعدائهِ من وسائلِ اتصالاتهِم، وعنصر دلالة(16):
إذا سلك السَّماوةَ غيرُ هـادٍ فقتـلاهـم لعينيـهِ منــارُ
ومن الإشارات مسايرةُ النيرانِ لِخَيلِ سيف ِالدولة، إذ تُحَرَّقُ ديارُ الرّومِ في كلَ موضعٍ وطئوه، ويقتلون أهله، ويخربون ديارَه(17):
تُسايِرُها النيّرانُ في كُلّ مَسْلَكٍ به القومُ صرعى، والدِّيارُ طُلُوْلُ
وإشعال النيران ليلا إشارةٌ إلى كَثْرَةِ الجيشِ؛ إمّا للاستضاءةِ أو لإِحراقِ الأعداء(18):
يُغِّيرُ ألوانَ الليالي على العدى بمنشورةِ الراياتِ، منصورةِ الجُنْدِ
(4)
ومن وسائل اتصالاتهِم الرموزُ التي منها قَطْعُ الطُّرقِ للرسل، وتأخُّرُ وصولهِم، الذي يرمز إلى مكروهِ أصابهَم، وهو عند ذلك رسالةٌ إليهم، شأنُ الرومِ وقَطْعُهم الطرقَ إلى قلعةِ الحدث، لئلا يستخبرَ سيف الدولة نوايا الروم إليها(19):
أخذوا الطُّرْقَ يَقْطَعونَ بها الرُّ (م) سـْلَ فكانَ انقطاعُـها إرسـالا
ويبدو أنّ أَخْذَ المضائقِ على المسلمين، حَدَثَ غيرَ مرة، منها سنة الحدث (338هـ) على ما يُؤرَّخُ لمناسبة القصيدة التي منها البيت السابق، ويقال مثله عن أخذ الروم المضائق على سيف الدولة سنة (346هـ).
وَهَزُّ اللواءَ إجماعٌ على قائد الحرب، شأن عجل لتنصيبهم قائدا عليهم(20):
هَزَّ اللواءَ بنو عِجْل بهِ فَغَـدا رأساً لهـم، وغـدا كلُّ لَهُ ذَنَبا
(5)
ومن وسائلِ اتصالاتهم المراسلاتُ؛ داخليةٌ بين جُنْدِ الجيشِ نفِسهِ، وخارجيةٌ بين الجيِش الإسلامي وجيِش الروم، فَجَيّشُ سيفِ الدولة، كان ُيقاتل على جبهتين(21):
أَنْتَ طُوْلَ الحَياةِ للـرّومِ غـازٍ فَمَتِى الوَعـْدُ أن يكوَن القفولُ؟!
وسِوى الرومِ خَلْفَ ظَهْرِكَ رُوْمٌ فعـلـى أيّ جَانبيـكَ تَمِيـلُ؟!
وعليه، فكانت الكتُب وسيلةَ اتصال، مختومةً بأختامٍ طينيةٍ أحياناً، فَيُطاعُ أَمْرُ المرسِل حال ظهورِ خاتمه(22):
بُصَرَّفُ الأمرَ فيها طِيْنُ خَاتَمِهِ ولـو تَطَلـَّس مِنْهُ كُلُّ مَكْتوُبِ
وللرِسولِ سماتٌ منها البلاغة(23):
بالشَّرْقِ والغربِ أقوامٌ نُحِبُّهُمْ فَطالِعاهـم، وَكُونا أبلغَ الرُّسُلِ
وكذا بلاغةُ ابن العميدِ، بمراسلته إلى الروم فيفزِعُهُمْ ببلاغتها(24):
يا مَنْ إذا وَرَدَ البلادَ كتابُـه قَبْلَ الجيوشِ ثَنى الجيوشَ تَحَيُّرا
وقوله في بلاغته أيضاً من القصيدة ذاتها:
وَرَسائلٌ قَطَعَ العُداةُ سَحاءَها فـرأوا قَنّاً وأسنّةً وَسَنـَوَّرا
فكانت الرسائلُ تُشَدُّ وَتُغلَّفُ- كما ترى- فتتحّولُ أمامَ الخصمِ سِلاحا متنوعّا؛ قنا ودروعا؛ والمراسلات تنتظرُ إجابةً عنها إلى الروم، فإجابةُ سيفِ الدولةِ على مراسلاتِ الروم، مفخرةٌ في سيرةِ قادةِ الرّوم، لأنها تنبئ بعفوه عن خُصومه من الملوك(25):
وإنْ أَجَبـْتَ بِشيءٍ عَنْ رسائِلـِهِ فما يزالُ على الأملاكِ يَفْتَخِرُ
وذلكَ ِلأَنَّ مُراسلةَ ملوكِ الرومِ لسيف الدولة تعادلُ دُروعاً يحتمون بها من بطشه، لا دروعا لحربه(26):
دُرُوعٌ لِمَلْكِ الروم هذي الرّسائلُ يـَرُدُّ بهـا عَـنْ نَفْسِهِ وَيُشاغِلُ
أتاكَ يَكادُ الرأسُ يَجْحَـدُ عُنْقَـهُ وَتَنقَدُّ تَحْتَ الذُّعْرِ مِنْهُ المَفاصلُ
لقد ذاق الرومُ من سيفِ الدولة صُنوفا من آلامِ الحربِ، وعرفوا مراسلاتهِ مشرفيات لاكتبا(27):
وَلا كتُبْ َإلاّ المَشرفَيْةُ عِنـْدَهُ ولا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ
ولذا فإنَّ رَدَّهُ عليهم كُتُبا يُعَدُّ مفخرةً لقادة الروم إذن: ذلك لأنَّهُ يُتْبِعُ عادةً أسنّته ورماحه كُتُبَهُ، ويَرُدُّ بالخيلِ بَدَلاً من الرّسل(28):
تتلو أَسِنَّتُهُ الكتبَ التي نَفَذَتْ ويَجَعْلُ الخيلَ أبدالاٍ من الرُّسلِ
ولا غروى في أنْ نَعُدَّ المتنبي، خَلَعَ على سيفِ الدولة، صفاتِ مبالغة، إذا لمْ نَحْتَكِمْ إلى آراءِ مؤرخي الفرنجة فيه، إذ كان يُسمّّيه المؤرخون البيزنطيون ممن كتبوا تاريخَ حروبِ القسطنطينية مع حلب منذ القرن العاشر الميلادي ومنهم (شلمبرجة) –يسمونه "الكافرَ الحمداني" ويرونه الدّهرَ العربيَّ الجاثمَ في جوارهم، حتى عدَّهُ رجالٌ سياستهم المحاربَ الوحيدَ الأعظم السامي الذي أعلن الحرب المقدّسة على النصرانيةً وذكر شلمبرجة "أن اسمَهُ سيف الدولة العظيم يكادُ يكونُ مذكورا في كُلّ صفحة من صفحات كتابي هذا المثير"(29).
إذا كانَ سيفُ الدولةِ خطرا داهما يواجهُ الروم، فإنه من باب أولى أن يَكْبَحَ جِماحَ الفتن الداخليةِ، ويقمعَ تَمرَّدَ بعضِ القبائل العربية، التي عاثت في عَمَلِه، وخالفوا عليه كقبائل بني عُقيل وقُشير وبني عجلان، فأجفلهم من بين يديه، وَظَفِرَ بهم في خَبَرٍ طويل، فلا غروى أن يُرسلوا وفودَهم إليه لاسترضائه(30):
تَبِيْتُ وفـودُهـم تسري إليـه وجـدواه التي سألوا اغتفارُ
لقد كان أسلوبُ سيفِ الدولة، في مراسلاته معتمدا على القوة المسلحة، لأنه يدرك ُأنُّه لا يحقُق مطالَبه في مراسلاته، إلا بها، فمراسلاتُ سيفِ الدولة محميّةٌ بقوة السلاح(31):
وَهَلْ تُغني الرّسائلُ في عَدَوًّ إذا مـا لـَمْ يَكُنَّ ظُبى رِقاقا
ولا ريب في أنّ المراسلةَ إن لم تعتمد ْعلى قُوّةٍ مسلّحة، فإنها تقوُد إلى الاستسلامِ والذل، وهذا ما ذكره ابن الأثير عَنْ مَلِكَ الروم "نقفور" لما راسَلهُ المسلمون من أهل الثغور، يطلبون منه بعضَ اصحابه ليقيموا عندهم، لدفع إتاوة إليه، فما كان منه إلا أَنْ احرقَ رسالةَ رسولهم على رأسه، وأحرق لِحيتَه، وقال للوفد المسلم: "أنتم كالحيّة في الشتاء تخدر وتَذْبَلُ، حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان وأحسن إليها، وأدفاها، انتعشت ونهشته، وأنتم إنما اطعتم لضعفكم، وإن تركتكم حتى تستقيمَ أحوالكم، تأذيت بكم ثم غزاهم وفتح ثغورهم بحد السيف(32".
ولذا كانت مراسلاتُ سيف الدولة، إلى ملوك الروم، تعتمد العنف أسلوبا، والحرب النفسية أسلوبا آخر، ذلك أن رسول ملك الروم، سار في طريقه إلى سيف الدولة على هام الروم المفلقة حينا(33):
وقد سارَ في مَسراك منِهْ ُرسولهُ فما سار إلا فَوْقَ هامٍ مُفَلَّقِ
وحينا يكتبُ الجوابَ على قذالِ دُمستقهم بحِدّ السيف بعزة(34):
وَكُنْتَ إذا كاتبَتْهَ ُقَبْلَ هذه كَتَبْتَ إلـيه فـي قَـذالِ الدُّمُسْتُقِ