![]() |
توفيق مراد " أساليب تربية الناشئة في عهد النبوة"
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين القائل في كتاب العزيز " يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة " قال بعض العلماء : لما قال ( قوا أنفسكم ) دخل فيه الأولاد لأن الولد بعض منه كما دخل في قوله تعالى ( و لا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) فلم يفردوا بالذكر بإفراد سائر القرابات ، فيعلمه – أي يعلم الأب ابنه الحلال و الحرام و يجنبه المعاصي و الآثام إلى غير ذلك من الأحكام . و ذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه – قال لما نزلت هذه الآية : يارسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا ؟ فقال تنهونهم عما نهاكم الله ، و تأمرونهم بما أمركم الله ( ). و الصلاة و السلام على سيدنا محمد القائل " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، و علم ينتفع به ، و ولد صالح يدعو له " . رواه مسلم . و روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول صلى الله عليه و سلم " كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع و هو مسئول عن رعيته . و الرجل راع في أهل بيته و هو مسئول عن رعيته .و المرأة راعية في بيت بعلها و ولده و هي مسئولة عنهم . و العبد راع في مال سيده و هو مسئول عنه . ألا فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ". لقد ربى رسول الله عليه الصلاة و السلام أصحابه على أهمية تربية الولد ليكون صالحاً ينتفع به الأب بعد وفاته كما في الحديث ورباهم على أهمية تعليم و تلقين النشء الأعمال الصالحة و هذا مصداق لقوله عليه السلام فيما يرويه مسلم في صحيحه " من دعا إلى هدى له من أجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ". و يؤكد الإمام ابن القيم ( ) مسئولية الوالد عن تربية ولده بقوله ( إن الله سبحانه و تعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده ، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حق ، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه و تركه سدى فقد أساء غاية الإساءة و أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء و إهمالهم لهم و ترك تعليمهم فرائض الدين و سننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم و لم ينفعوا آباءهم كباراً ، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال : يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً و ضيعتني وليداً فأضعتك شيخاً". و إنما تقتبس التربية المتماسكة القوية من سيرته عليه السلام في توجيهاته و أفعاله و تقريراته مع الأطفال الذين عاشوا معه ... مفهوم التربية ( ): إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة التربية أصولاً لغوية ثلاثة : الأصل الأول : ربا يربو بمعنى زاد و نما و في هذا نزل قوله تعالى ( و ما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) ]الروم :39[. الأصل الثاني : ربي يربي على وزن خفى يخفي و معناها نشأ و ترعرع . الأصل الثالث : ربٌ يرب بوزن مد يمد بمعنى أصلحه ، و تولى أمره و ساسه و قام عليه و رعاه ، و من هذا قول حسان بن ثابت – رضي الله عنه – كما أورده ابن منظور في لسان العرب : و لأنت أحسن إذ برزت لنا يوم الخروج بساحة القصر من درة بيضاء صــافية مما تربب حـائر البحــر و قال : يعني الدرة التي يربيها في الصدف ، و بين : أن معنى : تربب حائر البحر : أي مما ترببه أي رباه مجتمع الماء في البحر . قال : ورببت الأمر أربه ربا ورباباً : أصلحته و متنته . و قد اشتق بعض الباحثين من هذه الأصول اللغوية تعريفاً للتربية ، قال الإمام البيضاوي (المتوفى 685هـ ) في تفسيره ( أنوار التنزيل و أسرار التأويل ) : الرب في الأصل بمعنى التربية و هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً ثم وصف به تعالى للمبالغة ". و في كتاب مفردات الراغب الأصفهاني ( المتوفى 502هـ) : " الرب في الأصل : التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام " . و قد استنبط الأستاذ عبد الرحمن الباني من هذه الأصول اللغوية أن التربية تتكون من عناصر:أولها : المحافظة على فطرة الناشئ و رعايتها . ثانيها : تنمية مواهبه و استعداداته كلها ، و هي كثيرة و متنوعة . ثالثها : توجيه هذه الفطرة و هذه المواهب كلها نحو صلاحها و كمالها اللائق بها . رابعها: التدرج في هذه العملية و هو ما يشير إليه البيضاوي بقوله :(... شيئاً فشيئاً ) و الراغب بقوله : ( حالاًَ فحالاً ...). مفهوم الناشئة( ) : نشأ – نشؤ : نشأً و نشوءً أو نشأةً و نشاءة الطفل : شب و قرب من الإدراك ، يقال نشأتُ في بني فلان " أي رُبيت فيهم و شببتُ و الاسم النشء . الناشئ : جمع نشء و نشأة و ناشئة على غير القياس : الغلام أو الجارية إذا جاوز حد الصغر و شبا المربي الأول · روى أنس بن مالك – خادم رسول الله – " ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله · و روى أسامة بن زيد بن حارثة – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله يأخذني فيقعدني على فخذه و كان يقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمنا و يقول اللهم ارحمهما فإني أرحمهما . فانظر إلى تكريمه للصبيان و حبه لهم . ( فالإنسان ذا الكرامة ينأى بنفسه من قبائح الأعمال و مرذول الأخلاق و من فقد كرامته هانت عليه نفسه ..) · و من طريف ما يروى أنه عليه السلام خرج يوماً إلى السوق لشراء ثوب و معه ثمانية دراهم فلقي فتاة تبكي و تنتحب فسألها عن سبب بكائها فأخبرته عن أهلها ( ولاة أمرها ) قد أرسلوها لشراء حاجة لهم ، و أعطوها درهمين فأضاعتهما فنفحها عليه السلام بدلهما ... ثم تابع سيره ... و لكن وجد الفتاة الصغيرة لا تزال مكانها ، فسألها فقالت لقد تأخرت بالعودة إلى أهلي و أخشى عقابهم ... فعرف أهلها من الأنصار فمشى معها حتى بلغها و آمنها و استسمح لها فماذا يا ترى كان رد الفعل ؟ فعل التكريم العظيم لهذه الفتاة البائسة عند الأهل ، لقد ساممحوها و أعتقوها حرة لوجه الله تعالى تكريماً لممشاها مع رسول الله .... أسلوب التلقين 1. يقول الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- " قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما ألقي فيها من شيء قبلته ، و إنما كان كذلك لأن الصغير أفرغ قلباً ، و أقل شغلاً و أيسر تبذلاً ، و أكثر تواضعاً " . 2. أخرج الطبراني و ابن النجار عن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – أن النبي صلى الله عليه و سلم – قال " أدبو أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم ، و حب آل بيته ، و تلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه و أصفيائه ". أولاً : تلقين القرآن : 1. ذكر ابن كثير في كتاب " فضائل القرآن – ص44) عن ابن عباس قال " توفي رسول الله عليه السلام – و أنا ابن عشر سنين و قد قرأت المحكم " . 2. و هذا ابن مسعود – رضي الله عنه – يورث بناته سورة من القرآن تقيهم الفقر . 3. ذكر الإمام ابن كثير في فضل سورة الواقعة : أن الحافظ ابن عساكر روى بسنده إلى أبي ظبية قال : مرض عبد الله بن مسعود مرضه الذي توفي فيه فعاده عثمان بن عفان فقال ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي ، قال فما تشتهي ؟ قال رحمة ربي قال : ألا آمر لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني قال : ألا آمر لك بعطاء ؟ قال : لا حاجة لي |
|
|
حياك الله اخي شكرا لاهتمامك
|
الساعة الآن 08:56 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.