تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: أن أعرابيا بال في المسجد


zoro 1
03-06-2025, 03:42 PM
شرح حديث: أن أعرابيا بال في المسجد

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شرح حديث: أن أعرابيًّا بال في المسجد..
وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد
وأَن الأَرض تطهر بالماء من غير حاجة إِلى حفرها



• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "دَعُوهُ وَلاَ تُزْرِمُوهُ" قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.

وفي رواية لمسلم: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله - عزّ وجل -، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ".

وعند البخاري بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: "أهريقوا على بولهِ ذَنوباً من ماء فإنما بُعِثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسرين".



ألفاظ الحديث:

• (أَعْرَابِيّاً): الأعرابي بفتح الهمزة المراد به البدوي الذي يسكن البادية، نسبة الأعراب على لفظه، والأعراب جمع ونُسِب الأعرابي إلى الجمع دون الواحد لأنه لو نسب إلى الواحد وهو عرب لقيل: عربي، فيشتبه المعنى، لأن العربي عام لمن سكن البادية أو الحاضرة، وقيل الأعراب جمع لا واحد له من لفظه.

• (فِي الْمَسْجِدِ): المقصود به مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والمسجد لغة: مَفْعِل- بكسر العين- اسم مكان السجود، قال الصفتي: يقال: مَسْيَد، حكاه غير واحد.

• (لاَ تُزْرِمُوهُ): بضم التاء وإسكان الزاي والإزرام القطع والمعنى لا تقطعوا عليه بوله.

• (بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ): وفي رواية أخرى (بَذنُوب من ماء) بفتح الذال وضم النون، والَذنُوب هي الدلو العظيم ولا يسمى ذَنُوباً إلا إذا كان مملوءً بالماء، والدلو فيها لغتان التذكير والتأنيث فتقول (هذه دلو) و (هذا دلو) وكلاهما صحيح.

• (أهريقوا على بولهِ): أي صبوا على بوله.

• (فإنما بُعِثتم): إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأن المبعوث هو النبي صلّى الله عليه وسلّم لكنهم لما كانوا يقومون بتبليغ الرسالة قال لهم ذلك.



من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث فيه دلالة على وجوب تطهير المساجد والعناية بها وتنزيهها من البول وسائر النجاسات وهذا يؤخذ من قيام الناس إليه وزجرهم له في روايات الحديث الأخرى ولولا أن هذا الفعل منكر عندهم لما زجروه لكن فات هؤلاء الناس أن منعه وقطعه لبوله يؤدي إلى ضرر أكبر كما سيأتي ولهذا أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرفق به.



الفائدة الثانية: الحديث يدل على أن تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة يكون بصب الماء على المكان النجس حتى تزول عين النجاسة وليس هناك عدد معين للغسلات فالعبرة زوال عين النجاسة وإن كان هناك جرم للنجاسة فإنه يزال أيضاً، ولا يشترط في البقعة التي أصابتها النجاسة حفر مكانها ونقل ترابها بل يُصب عليها الماء حتى تزول النجاسة وهذا قول جمهور العلماء وأما ما ورد عند أبي داود من حديث عبد الله بن معقل صلّى الله عليه وسلّم وفيه: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " خذوا ما بال عليه من تراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء " فقد قال أبو داود بعده: " هو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم " [انظر: سنن أبي داود (381)].



واختلف أهل العلم هل تزول النجاسة بغير الماء أم لا؟ على قولين:-

القول الأول: أن الجفاف لا يطهر الأرض من النجاسة سواء كان ذلك بالشمس أم بالريح أم بالظل، وأنه لابد من الماء.

واستدلوا: بحديث الباب وقالوا لو كانت النجاسة تزول بغير الماء لما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالماء.



والقول الثاني: أن النجاسة تزول بغير الماء كالشمس والريح والتراب وهذا القول هو الراجح والله أعلم.

ويدل على ذلك:

أ- حديث أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة سألتها فقالت: " إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يطهره ما بعده" رواه أبو داود والمقصود بما بعده التراب فدل على أن النجاسة تزول بغير الماء.



ب- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " رواه أبو داود وحسنه ابن تيمية.



ج- أحاديث الاستجمار تدل على أن النجاسة تزول بالحجارة.



د- حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: " كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك " رواه البخاري معلقاً.



هـ- قاعدة الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا وجدت النجاسة حُكم على البقعة بالنجاسة وإذا عدمت النجاسة عُدم الحكم على البقعة بالنجاسة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إنه أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وهو الصحيح في الدليل "(انظر الفتاوى (21/ 479)، وأيضاً انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 150، 155، 156)".

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فنوقش: بأن أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يراق على بول الأعرابي الماء لأن المسجد يجب الإسراع في تطهيره لئلا يتنجس أحد بذلك البول أو تنتقل النجاسة بالمشي إلى مكان آخر في المسجد.



الفائدة الثالثة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: " دعوه ولا تزرموه " هذه العبارة يؤخذ منها أمران:

أولاً: فيها وجوب الرفق بالجاهل في التعليم، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه أن يتركوه ونهاهم أن يقطعوا عليه بوله لجهل هذا الأعرابي حيث إنه لم يفعل ذلك استخفافاً وعناداً وهكذا يجب أن يكون المُنكِر مع الجاهل ولو عَظُم ذنبه ما دام جاهلاً فليس بقعة أعظم من بيوت الله وليس أقبح من البول فيها ومع ذلك رفق النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك الأعرابي لجهله وأخبره ما الذي يصلح في هذه المساجد من ذكر وصلاة وقرآن وما لا يصلح فيها وتأمل كيف كانت نتيجة الرفق حين التعليم فقد جاء عند البخاري في كتاب الأدب أن الأعرابي قال: " وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الأعرابي: " لقد حجرت واسعاً " يريد رحمة الله " وسيأتي الحديث عن هذه الرواية في مفردات البخاري بإذن الله تعالى وقيل إن هذه الرواية ليست مرتبطة بالحديث.



ثانياً: يؤخذ منها قاعدة فقهية عظيمة وهي: (دفع أعظم الضررين عند التعارض بارتكاب أخفهما) فإذا تعارضت مفسدتان أو أكثر فإنها تدفع أعظمها وذلك بارتكاب أخفهما ففي هذا الحديث تعارضت مفسدتان فترك الأعرابي يبول في المسجد مفسدة، وكون الأعرابي يُقام من بوله مفسدة أخرى لكنها أعظم من المفسدة الأولى لأنه يترتب عليها عدة أمور وهي:

أ- تضرر هذا الرجل بقطع بوله واحتباسه حين يُقام.

ب- أنه يؤدي إلى تلوث ثيابه وبدنه.

ج- أنه يؤدي إلى تلوث مكان أكبر في المسجد.

فمجموع هذه الأمور تبين عِظَم مفسدة إقامة الأعرابي على تركه يكمل بوله وهو ما أمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أنها مفسدة لكنها أخف من الأخرى.



الفائدة الرابعة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: " فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " فيه دلالة لأمته صلّى الله عليه وسلّم عموماً والدعاة منهم على وجه الخصوص وحثهم على أمرين:

الأول: في قوله " فإنما بعثتم " فهم مبلِّغين عن الله - عزّ وجل -في حمل رسالة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه العبارة جعلهم

كالمبعوثين لأنهم يحملون هذه الرسالة، فينبغي لطالب العلم والداعية أن يستشعر مثل هذه العبارات التي توحي بأن عليه أن يحمل هم هذه الرسالة ويدعو الناس إلى دين الله تعالى.



الثاني: في قوله " ميسرين ولم تبعثوا معسرين " أن من يحمل هم هذه الرسالة ويدعو الناس إلى دين الله - عزّ وجل -لابد أن يكون رفيقاً فيمن يدعوهم وهكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الأعرابي ، ووجه هذه الكلمات لأصحابه آمراً لهم بالتيسير و عدم التعسير عند دلالة الناس و إرشادهم وبهذا أوصى الله - عزّ وجل - موسى و هارون حينما أرسلهم إلى الطاغية فرعون الذي جاوز الحد في ظلمه وعدوانه وكفره حتى قال ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38].

فقال الله - عزّ وجل - لموسى وهارون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43 – 44]



والقول اللين هو القول السهل اللطيف برفق ويسر لا غلظة في المقال ولا فظاظة في الألفاظ لعله بسبب هذا اللين يتذكر أو يخشى فعلى الداعية أن يكون رفيقاً بمن يدعوهم كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال الله تعالى عنه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].



وكما تعامل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الأعرابي في حديث الباب وكما أوصى عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة منها ما قاله صلّى الله عليه وسلّم لأبي موسى ومعاذ- رضي الله عنهما - حينما بعثهما إلى اليمن فقال لهما: " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " والحديث متفق على صحته، وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما وجد الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" والنصوص في هذا الباب كثيرة.

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الطهارة)



الألوكة

.....................

عبد العزيز شلبي
03-06-2025, 03:45 PM
بــــــــــ الله فيك ـــــــــارك
وجزاك الله كل خير