المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخوف من الله عبادة


محمد قطيش
03-17-2010, 05:54 PM
يقول ابن القيم رحمه الله " الخوف عبارة عن تألّمِ القلبِ واحتراقه بسبب توقع مكروهٍ في المستقبل "



ولأنّنا في فصل الأدب مع الله سبحانه وتعالى فإنّه منوطَ بنا أن نبني علماً صحيحًا في باب الخوف من ربّنا، فاعلم


يا من اتّخذتِ سابقًا الرّجاء جناحًا لتُحلّق به في سماء الإيمان أنّه لابدّ لكِ من جناحٍ ثانٍ ، وإلاّ فلن تبرحِ مكانكِ ،


أفرأيتِ طيراَ يُحلّق بجناحٍ واحد


إنّ الجناحَ الثاني هو الخوف .


استعدّي يا أمة الله فوالذي نفسي بيده إنّ عبادةَ الخوفِ من أعظم ما يُهيّء لكِ دروب الفلاحِ في الدّارين ولا غنى لكِ


رمشة عين عنها فالزميها وألزمي نفسكِ بها وحُثّي غيرك عليها وأريد في حديثي عن الخوف أن أخصص وأتطرّق


إلى الخشية التي عرّفها العلماء بقولهم '' هي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه" ويتضح


الفرق بينها وبين الخوف بهذا المثالِ : إذا خفتِ من شخص لا تدرين هل هو قادر عليكِ أم لا فهذا خوف، وإذا خفتِ


من شخص تعلمين أنّه قادر عليكِ فهذه خشية .


لكن تدبّري في هذه الآية من كتاب ربّك (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) البقرة 150 هذا أمر من الله جاء في صيغة النّهي


عن خشية غيره لأنّ الله هو الأحق بأن يُخشى كما قال في موضعين آخرين (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن


كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) التوبة 13 (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) الأحزاب 37



فلتتأدّبي مع خالقكِ بخشيتِه وحده وتركِ خشية المخلوقين وبذلك يحصل لكِ الأمنُ الذي تبحث عنه نفس كل إنسان ،


وخوفك من الله لا يكون بمجرّد القول '' إنّي أخاف الله" بل لابدّ أن يظهرَ ذلك في أفعال القلوب والجوارح على حدّ


السّواءِ بالتزامكِ بالطّاعات وفراركِ من المعاصي .


وتذكّري معي حديث الحبيب عليه أفضل الصّلاة والسّلام " عينانِ لا تمسّهما النارُ ، عين بكتْ من خشيةِ الله ، وعين


باتتْ تحرسُ في سبيلِ الله" . رواه الترمذي ( 1639 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " 1338.


فما أعظم أدبكِ مع الله إن أبصرت كلّ ما يأتيك منه بعين الخشية فإن كانت نعمةً حمدت الله وسعدتِ بها وتذكّرت أنّها


من الله فعظُم ذلك في قلبكِ وخشيتِ أن يكون ذلك استدراجاً فحرصت على الاجتهادِ في عبادته كما يرضى حتّى يرضى


، وإن كان ابتلاءً فيه أمر تكرهينه حمدت الله كما يجب وتذكّرت أنّ الذي ابتلاك هو الله ذو القوة فأحدث ذلك في قلبك


خشية عظيمة جعلتك تجثين ذليلة خائفة تسألين العزيز المغفرة وكشف الضر ،وتمضِي جوارحك مُسارعة إلى كل برٍ


وقاطعة بسيف الخوف من الله حبل كلّ معصية .


وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم "أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية " رواه البخاري فتأسي بالحبيب عليه أفضل


الصلاة والسلام حتى تهتدي بإذن الله ، ولذلك لازلتُ أشير إلى ضرورة العودة إلى السيرة النبوية على صاحبها


أفضل الصلاة والسلام لتطبيق ما جاء فيها من أمور عظيمةٍ تَحدث بها الاستقامة التي تُحقق الأمن والسعادة كما قال


الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي


كُنتُمْ تُوعَدُونَ )فصّلت 30



* بين الخوف والرّجاء *


يقول العلماء رحمهم الله العبادةُ تقوم على أركان ثلاثة: وهي المحبة والرّجاء والخوف فإذا قيل لكِ لماذا تُصلّين؟


لماذا تصومين؟ لماذا تحجّين؟ تقولين أؤدي هذه الطاعات حبّا لله ورجاء لثوابه وخوفا من عقابه ،ولذلك قال بعض


العلماء : يكون رجاء المؤمن وخوفه بنفس المقدار لئلا يحمله الرّجاء على الأمن من مكر الله والخوف على اليأس


من رحمة الله .



وقال غيرهم :



في حال المرض : يغلب الرّجاء على الخوف لأنّ المريض قد يكون اقترب أجله فالأفضل أن يموت وهو يُحسن الظنّ


بالله.
في حال الصّحة : يغلب الخوف على الرّجاء لأنّ العبد يكون مؤملا في طول البقاء فيحمله ذلك على التّهاون


فالأفضل أن يخاف حتّى يسلم







**
في هذه اللحظة التي تقرئين فيها هاته الكلمات تذللي لربك أشد التذلل وتابعي معي هذه المواقف التي لابدّ أن تجعلكِ


تقلبين صفحة ما مضى من حياة الغفلة بإذن الله وتفتحين صفحة جديدة بيضاء فيها من مراقبة الله ما يحملك على


التقوى :



كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يُمسك لسانه ويقول‏:‏ هذا الذي أوردني الموارد‏ ( وكمْ تغافلتِ عنْ صونِ لِسانِكِ


أنتِ يا أخيّة،تذّكّري كمْ اغتبتِ ،وكمْ تكلّمتِ بغير علمٍ ،وكمْ آذيتِ غيركِ بقطعةِ لحمٍ حمراء اللّون ، أفلاَ تخشينَ عقاب


الذي وهبَ لكِ تلكَ النّعمة ؟ أفلاَ تخافين أن تُكبّي علَى النّار بسببِ كلمة ! حان موعدُ الحِسابِ قبل الحسابِ الأخيرِ !)



وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسمع آية فيمرض فيُعاد أياماً‏ ( وكمْ من آيةٍ تَمُرّين علَيهَا وأنتِ غافلة أشدَّ


الغفلةِ ، وكأنّ الكِتاب ليسَ كتاب الله ربّك ذي الجلال والإكرام !)



وقال عثمان بن عفّان رضى الله عنه‏:‏ وددتُ أنّي إذا متُ لا أبعثْ‏ (وهو من المُبشّرين بالجنّة وأنتِ لا تَزالِينَ سَاهِية


وراءَ الدّنيا راكضة ! )


وكان على بن أبي طالب رضى الله عنه يقبض على لحيته ويبكي بكاء الخاشع الحزين(وأنتِ تذرفِين الدّمُوع
الكثيره )

احمد الزيود
03-24-2010, 03:56 AM
الف شكر يا غالي

عبده فودة
05-21-2023, 12:46 AM
شكرا لك اخى الكريم
وجزاك الله خيرا