السنة النبوية

[almessa]

أهمية طاعة الرسول صلى اللله عليه وسلم

النوري قريسة

إنّ السنة أو السيرة في اللغة العربية : الطريقة، والحالة التي يكون عليها الإنسان، سواء أكانت حسنة أم سيئة، نقول: فلان سيرته حسنة، وفلان سيرته سيئة.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )
والسنّةَ النبويةَ الشريفةَ هي ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل، أو تقرير ، فهي أقوالٌ وأفعالُ وإقرارُ، وكلّها من السنةِ النبويةِ، فإذا كان القرآنُ المصدرَ الأولَ للشريعةِ، فالسنةُ هي المصدرُ الثاني لها، والسنةُ هي التطبيقُ العمليُّ للقرآن الكريم.
والقرآنُ الكريمُ بمنزلةِ الدستورِ الذي فيه الأصولُ والقواعدُ الإلهيةُ الأساسيةُ، التي لابد منها لتوجيهِ الحياةِ الإسلاميةِ، وهدايةِ البشريةِ للتي هي أقومُ، أمّا السنةُ فهي المنهاجُ النبويُّ الذي يفصِّلُ ما أَجْمَلَ هذا الدستورُ، ويخصِّصُ ما عمّمه، ويقيِّدُ ما أطلَقَه، ويضعُ له الصورَ التطبيقيّةِ من حياةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرتِه الجامعةِ.
والقرآنُ الكريمُ نفسُه يقرِّر أنّ مهمةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يبيّنَ ما أنزلَ اللهُ مِن الكتابِ، قال تعالى :

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ النحل: الآية 43

﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ النحل: الآية 64

ولولا السنةُ لما عرفْنا كثيراً من أحكامِ الإسلامِ، من عباداتٍ أو معاملاتٍ، ومَن قرأَ كتبَ الفقهِ الإسلاميِّ بمختلفِ مذاهبِه وجدَ بشكلٍ واضحٍ جداً أنّ معظمَ الأحكامِ مأخوذةٌ من سنةِ النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ...

المشككون في السنة :

هناك فئام من الناس بجهل أو بمكر يقولون أن القرآن يغنينا عن السنة ، لأنه تبيان لكل شيئ وأن الله قد حفظه من التبديل والتحريف ، والسنة لم يُضمن لها الحفظ ، وقد كتبوا الكتب وألقوا المحاضرات تشكيكا فيها ، وأما المضحك المبكي في هذه المسألة أن هؤلاء الناس يُسمّون أو يُلقّبون ( بالقرآنيين ) ....هذه صفة جميلة في حد ذاتها ولكن لو وقفنا على حقيقتهم في رفضهم للسنة النبوية لعلمنا أن هذه الصفة ( القرآنيون ) في ظاهرها الرحمة وفي باطنها ما تعلمون ...

عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ :

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّه )... بن ماجه

لذلك لا نناقشهم في هذه المسألة إلا بالقرآن ، ألم يقل الله في القرآن :

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر7

والمقصود به هنا ما جاءكم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هدايات وتشريعات ، وآداب . ما أمركم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعله - أيها المؤمنون - فافعلوه ، وما نهاكم عن فعله فاجتنبوه ، واتقوا الله فى كل أحوالكم ، فإنه - سبحانه - شديد العقاب لمن خالف أمره ..

يقول السيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله في هذه الآية :

(وهذه الآية جامعة للأمر باتباع ما يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل فيندرج فيها جميع أدلة السنة ) انتهى

ويقول سبحانه وتعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59

ونلاحظ في هذه الآية أن هناك تكرار مقصود لينبه على وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والامتثال لأمر الرسول كله خير ...ألا ترى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا سعيد بن المعلَّى ، وأبو سعيد يصلي ، فلم يجبه فلمّا فرغ من صلاته جاءه فقال له : " ما منَعك أن تجيبني " فقال : «كنت أصلّي» فقال : " ألم يقل الله ( يأيّها الذين آمنو استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) الأنفال : 24

قال سيد قطب تعليقا على هذه الآية الكريمة في ظلاله : إن المنهج الإيماني ونظامه الأساسي أن تطيع الله في هذا القرآن – وأن تطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته وأولي الأمر منكم الداخلين في شرط الإسلام معكم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) انتهى

وقد حذر القرآنُ الكريمُ أشدَّ التحذيرِ من مخالفةِ أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى:

﴿ .... فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ النور 63

بل إنّ القرآنَ الكريمَ نفَى الإيمانَ كلياً عمَّن لم يرضَ بحكمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء: الآية 64 – 65.

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي ) رواه البخاري

ويقول سبحانة في نفس السياق :

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران 31

والمعنى : قل يا محمد للناس إن كنتم تحبون الله حقا كما تدعون ، فاتبعوني ، فإن اتباعكم لى يؤدى إلى محبة الله لكم ، وإلى غفرانه لذنوبكم ، وذلك لأن محبة الله ليست دعوة باللسان ، وإنما محبة الله تتحقق باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذى أرسله رحمة للعالمين .
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدى ، والدين النبوى في كل أقواله وأعماله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .انتهى.......
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن أول علامات محبة العبد لربه ، هى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن هذا الاتباع يؤدى إلى محبة الله - تعالى - لهذا العبد وإلى مغفرة ذنوبه .
ومحبة الله لعبده هى منتهى الأمانى ، وغاية الآمال ، ولذا قال بعض الحكماء : " ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تُحَبَّ " . ومحبة الله إنما تتأتى بإخلاص العبادة والوقوف عند حدوده والاستجابة لتعاليم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكل من يدعى أنه محب لله وهو معرض عن أوامره ونواهيه فهو كاذب فى دعواه كما قال الشاعر الصوفى :

تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

 

 

[zead alnjmat]

مشكور على جهودك