عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2011, 12:05 PM   رقم المشاركة : 2
ابو فارس
 
الصورة الرمزية ابو فارس





ابو فارس غير متواجد حالياً

ابو فارس على طريق التميز


افتراضي

ذكر النهم الأكول
شيطان معدته رجيم، وسلطانه ظلوم، هو آكل من النار، وأشرب من الرمل. كأن في أمعائه معاوية، يأكل أكل الحوت الملتقم، والثعبان الملتهم، الليث الهاصر، والعقاب الكاسر. لو أكل الفيل لما كفاه، ولو شرب النيل لما رواه. يجوب جوب البلاد، حتى يقع على جفنة جواد. يقول بالقصاع، لا بالمصاع، يرى ركوب البريد، في حضور الثريد. أصابعه ألزم للشواء من سفود. أنامله كالشبكة، في صيد السمك. يستكثر من الجوارشات المنقدة للسدد، المقوية للمعد، المشهية للطعام، المسهلة لسبل الانهضام. إذ هو في تناولها كالكاتب الذي يقط أقلامه، والجندي الذي يصقل حسامه. تسافر يده على الخوان، وتسفر بين الألوان، وتأخذ وجوه الرغفان، وترعى أرض الجيران. لما عكفنا على الخوان، أسرع في الرغفان، وكرع في الجفان، وفقأ أعين الألوان.
في وصف مجالس الأنس وآلات اللهو
مجلس نوره در، ونارنجه ذهب، ونرجسه دينار ودرهم، ويحملها زبرجد. عندنا أترج كأنه من خلقك خلق، ومن شمائلك سرق. ونارنج ككرات من سفن ذهبت، أو ثدي أبكار خلقت. مجلس أخذت فيه الأوتار تتجاوب، والأقداح تتناوب. أعلام الأنس خافقة، وألسن الملاهي ناطقة. مجلس قد فرش بساطه وبسط أنماطه، ومد سماطه، بين آس مخضود، وورد منضود، وناي وعود. نحن بين بدور، وكاسات تدور، قد نشأت غمامة الند، على بساط الورد. مجلس قد تفتحت فيه عيون النرجس، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارات النارنج، ونطقت ألسن العيدان، وقامت خطباء الأوتار، وهبت رياح الأقداح، وطلعت كواكب الندمان، وامتدت سماء الند. مجلس من رآه حسب الجنان قد اصطفيت عيونها فجمعت في قدر من الأرض، وتخيرت فصوصها فنقلت إلى مطلع الأنس واللهو. قد فض اللهو ختامه، ونشر الأنس أعلامه. قد هبت للأنس ريح سحابها الأقداح، ورعودها الأوتار، ورياضها الأقمار. قد فرغنا للهو والدهر عنا في شغل. قد اقتعدنا غارب الأنس، وجرينا في ميدان اللهو. عمدنا لقداح اللهو فأجلناها، ولمراكب السرور فامتطيناها. قد امتطينا غوارب الأفراح، وقد حنا نار السرور بالأقداح.
فيما يتصل به من الألفاظ في الاستزارة
نحن في مجلس قد أبت راحته أن تصفو إلا أن تصافحها يمناك، وأقسم غناؤه لا طاب أو تعيه أذناك، فأما خدود نارنجه فقد احمرت خجلاً لإبطائك وعيون نرجسه فقد حدقت تأميلاً للقائك، فبحياتي عليك إلا تعجلت، وما تمهلت. نحن بغيبتك كعقد قد غيبت واستطه، وشباب قد أخذت جدته. إذا غابت شمس السماء عنا، فلا بد من أن تدنو شمس الأرض منا. وأنت من ينظم به شمل الطرب، وبلقياه يبلغ إلى كل أرب. طر إلينا طيران السهم، واطلع علينا طلوع النجم. ثب إلينا وثبة الغزال، واطلع علينا طلوع الهلال، في غرة شوال. كن إلينا من السهم إلى ممره، والماء إلى مقره. جشم إلينا قدمك، واخلع علينا كرمك. إن رأيت أن تحضرنا لتتصل الواسطة بالعقد، ونحصل بقربك في جنة الخلد. إن رأيت أن تسهم لنا في قربك الذي هو قوت ألنفس، ومادة الأنس.
في الكناية عن الشراب
قد نشط لتناول ما يستمد البشر، ويشرح الصدر. قد استمطر سحاب الأنس، واستدر حلوبة السرور، وقد زند اللهو.
وصف الشراب
شراب أصفى من مودتي لك، وأحسن من نعمة الله فيك، وأطيب من إسعاف الزمان بلقائك. أصفى من البلور، ودمع الجمهور. أصفى من ماء السماء، ودمع العاشقة المر هاء. أحسن من الدنيا المقبلة، والنعم المكملة. أحسن من العافية في البدن، وأطيب من الحياة في السرور. أرق من نسيم الصبا، وعهد الصبى. أرق من دمع محب، وشكوى صب. أرق من دموع العشاق، مرتها لوعة الفراق.
في تأثيره في القوم
دبت الكأس فيهم دبيب النار في الفحم، والبرء في السقم. سارت فيهم سورة الكؤوس، ونالت منهم نشوة الخندريس. شربت الراح عقولهم، وملكت قلوبهم. تمشت الصهباء في عظامهم، وترقت إلى هامهم، وماست في أعطافهم، ومالت بأطرافهم. بلغ حداً، يوجب الحد.
فقر وغرر تليق بهذا الباب
الصاحي بين السكرى، كالحي بين الموتى، يضحك من عقلهم، ويأكل من نقلهم.
ذكر الغناء والمغني
غناؤه كالغنى بعد الفقر. غناء يبسط أسرة الوجه، ويرفع حجاب الأذن، ويأخذ بمجامع القلب، ويمتزج بأجزاء النفس. غناء يحرك النفوس، ويرقص الرؤوس. قد سمعنا غناء، يعيد الأموات أحياء، إذا غنى ودت أعضاء السامعين أن تكون آذانا. فلان طبيب القلوب والأسماع، محيي موات الخواطر والطباع. يطعم الآذان سرورا، ويقدح في القلوب نورا. القلوب من غنائه على خطر، فكيف الجيوب. كأنه خلق من كل نفس فهو يغني كلا بما يشتهيه. كل ما يغنيه مفتوح. لغنائه في القلب، موقع القطر في الجدب. نعمه نغمته تطرب، وضروب ضربه لا تضطرب.
في ذم المغني
يترنم فيتعب ولا يطرب، وليتنا وجدنا الكفاف ولكن يكرب. فلان إذا غنى عني، وإذا أدى آذى، يميت الطري، ويحي الكرب. ضربة يوجب ضربه، وسماعه يوجب الإسماع به. من عجائب غنائه أن يورد الشتاء في الضيف. بيت وسى كذا بارد النغمة مختل اليدين. ما رآه أحد في دار قوم مرتين.
في استهداء الشراب
قد تألف لي شمل إخوان كاد أن يفترق لعوز المشروب، فاعتمدنا فضلك المعهود، ووردنا بحرك المورود. أنا ومن سامحني الدهر بزيارته من إخواني وأوليائك وقوف بحيث يقف بنا اختيارك من النشاط أو الفتور، ويرتضيه لنا إيثارك من الهم أو السرور، لأن الأمر في ذلك إليك، والاعتماد في جمع شمل المسرة عليك، فإن رأيت أن تكلني إلى أولى الظنين بك فعلت. ألطف المنن موقعا، وأجلها في النفوس موضعا. ما عمر أوطان المسرة، وطرد عوارض الهم والفكرة، وجمع شمل المودة والألفة. قد انتظمت مع رفقة لي في سمط الثريا، فإن لم يحفظ علينا النظام، بإهداء المرام، عدنا كبنات نعش والسلام. فرأيك في إرواء غلتنا بما ينقعها، والتطول على جماعتنا بما يجمعها.
كتاب وصف النظم والنثر
وأصحابهما وآلاتهما وأدواتهما
وصف حسن الخط
خط يجري مجرى السحر، ويرتفع حسنه عن النعت. رأيت من خطه يواقيت في نظام، وصفحات نور عليها سطور ظلام. خط أحسن من عطفة الأصداغ، وبلاغة كالأمل آذن بالبلاغ. خط كأنه صبح منقش بظلام، كأنه ليل على صفحات نور، كأنه حديقة الأحداق. خط كالروض الممطور، والوشي المنشور، والدر المنثور. خط كما يفتح الزهر غب المطر، كأنه خطوط الغوالي، في خدود الغواني. خط أملح من بنفسج الخط، وأحسن من الدر في السمط. خط أخذ من الطواويس ظهورها، ومن البزاة صدورها. خط كالتبر المسبوك، والوشي المحوك. خط أملح من صولجان المسك، في ميدان الورد، أحسن من بدور الغرر، في ليالي الطرر، فلان يغرس الدر في أرض القراطيس، وينشر عليها أجنحة الطواويس. كأن يده تنشر وشيا، أو تنظم درا. كأنه مطرز بالظلام رداء الصباح. خط كأن القلب يشعر منه نورا، والعين تجني نورا. خط يبهر الطرف، ويفوت الوصف. خط كالرياض، والمقل المراض، والإقبال بعد الإعراض. أمتعت طرفي ما شئت بمحاسن خطه ولفظه، وأخذت منهما بأوفر قسط المستفيد وحظه. تحيرت بين ظلام وصباح، وعقد ووشاح. خطه خطة الحسن.
في سرعة الكتابة
يده ضرة البرق، وقلمه فلكي الجري. يده ظئر البلاغة، وأم الكتابة، وضرة الريح، وينبوع الفضل. كأن يده على القرطاس جناح طائر في سراب مائر. فلان أنامله الرياح، وخواطره البحار. فلان سريع البنان، بديع البيان. لا يحبس عنان قلمه، أو ينثر الدر في كلمه. قلمه يهيم على وجهه، غادراً رأسه في درجه. أخف من حسوة طائر، ولمعة بارق، وخلسة سارق.
وصف النثر بما يشتمل عليه من الألفاظ والمعاني
ألفاظ كغمزات الألحاظ، ومعان كأنها فك عان. ألفاظ كما نورت الأشجار، ومعان كما تنفست الأسحار. ألفاظ قد استعارت حلاوة العتاب، بين الأحباب، واسترقت تشاكي العشاق، يوم الفراق. حسبت ألفاظه در السحاب، أو أصفى قطراً وديمة، ومعانيه در السحاب، بل أوفى قدراً وقيمة. كلام قريب شاسع، ومطمع مانع. كالشمس تقرب ضياء، وتبعد علاء، وكالماء يرخص موجودا، ويغلو مفقودا. كلام يصعب على التعاطي، ويسهل على الفطنة. كلام لا تمجه الآذان، ولا يبليه الزمان. ألفاظ كالبشرى مسموعة، وأزاهير الرياض مجموعة، ومعان كأنفاس الرياح، تعبق بالريحان والراح. كلام مستهل متسلسل كالمدام بماء الغمام، يقرب إذنه على الأفهام. ملح كنوافذ السحر، وفقر كالغنى بعد الفقر. كلام كبرد الشرراب، على أكباد الحرار، وبرد الشباب، في خلع العذار. كلام كثير العيون، سلس المتون رقيق الحواشي، سلس النواحي. كلام هو السحر الحلال، والماء الزلال، والبرود والحبر، والأمثال والعبر، والنعيم الحاضر، والشباب الناضر. نظرت منه إلى صورة الظرف بحتا، وسورة البلاغة سبكاً نحتا. ألفاظ هي خدع الدهر وعقد السحر. ألفاظ تسر المخزون، وتسهل الحزون، وتعطل الدر المخزون. كلام بعيد من الكلف، نقي من الكلف. كلام كما تنفس السحر عن نسيمه، وتبسم الدر عن نظيمه. ألفاظ تأنق الخاطر في تذهيبها، ومعان عني الطبع بتهذيبها. ألفاظ حسبتها في رقتها منسوخة من صحيفة الصبى، وظننتها لسلامتها مكتوبة عن إملاء الهوى. كلام كالبشرى بالولد الكريم، قرع بها سمع الشيخ العقيم. كلام قرب حتى أطمع، وبعد حتى امتنع، ودنا حتى صار قاب قوسين أو أدنى، ثم سما حتى صار بالمنظر الأعلى. كلام حسن الديباجة، صافي الزجاجة، رقيق المزاج، حلو المساغ، نقي السمك، مقبول اللفظ، قرأت جليا، حوى معنى خفيا، وكلاماً قريباً، رمى غرضاً بعيداً. لو أن كلاماً أذيب به صخر، أو أطفئ به جمر، أو عوفي به مريض، أو جبر به مهيض، لكان هذا. كلامه يقود سامعيه إلى السجود، ويجري في القلوب كجري الماء في العود. فلان ألفاظه أنوار، ومعانيه ثمار. كلامه أنس المقيم الحاضر، وزاد الراحل المسافر. كلام تسعى إليه الفور، وينتفض إليه العصفور. كلام يقضي حق البيان، ويملك رق الحسن والإحسان. كلام منه يجتنى الدر، وبه يعقد السحر، وعنده يعتب الدهر، وله يشرح الصدر. كلام يقرب جناه، ويبعد مداه، ويؤنس مسمعه، ويؤنس مصنعه.
ذكر البلاغة والبلغاء
ليست البلاغة أن يطال عنان القلم أو سنانه، ويبسط رهان القول أو ميدانه، بل هو أن يبلغ أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان أفراد، من حيث لا مزيد على الحاجة، ولا إخلال يفضي إلى الفاقة. البلاغة ميدان لا يقطع إلا بسوابق الأذهان، ولا يسلك إلا ببصائر البيان. فلان يعبث بالكلام، ويقوده بألين زمام، حتى كأن الألفاظ تتحاسد في التسابق إلى خواطره، والمعاني تتغاير في الانثيال على أنامله. فلان مشرفي المشرق، وصيرفي المنطق، البيان أصغر صفاته، والبلاغة عفو خطراته. كأنه أوحي بالتوفيق إلى صدره، وحبس الصواب بين طبعه وفكره. فلان يحز مفاصل الكلام، ويسبق فيها إلى درك المرام، كأنما جمع الكلام حوله حتى انتقى منه وانتخب، وتناول منه ما طلب، وترك بعد ذلك أذناباً لا رؤوساً، وأجساداً لا نفوساً. فلان لا يبلغ المعنى ويرضى بعفو الطبع، ويقنع بما يخف على السمع. يوجز فلا يخل، ويطنب فلا يمل. لله فلان أخذ بأزمة القول يقودها كيف أراد ويجذبها أنى شاء، فلا يعصيه بين الصعب والذلول، ولا يسلمه عند الحزون والسهول. كلام يشتد مرة حتى تقول الصخر الأملس، ويلين تارة حتى تقول الماء أو أسلس. يقول، فيصول، ويجيب، فيصيب، ويكتب فيطبق المفصل؛ وينسق الدر المفصل. يرد مشارع الكلام وهي صافية لم تطرق، وجامة لم ترنق.
في سرعة الخاطر ونفاذ الطبع
خاطرة البرق أو أسرع لمعا، والسيف أو أحد قطعا، والماء أو أسلس جريا، والفلك أو أقوم هديا. هو من يسهل الكلام على لفظه، وتتزاحم المعاني على طبعه، فيتناول المرمى البعيد بقريب سعي، ويستنبط المشروع العميق بيسير جري. كلامه عفو اللسان، وفيض اليد، ومساوقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وجمرات الجدة، وثمرات المدة، ومجاراة الخاطر للناظر، ومباراة الطبع للسمع.
زلاقة اللسان والفصاحة
لسانه يغيض البحور. ويفلق الصخور. ويسمع الصم، ويستنزل العصم. خطيب لا تناله حبسة، ولا ترتهنه لكنة، ولا تتمشى في خطابه رتة، ولا تتسلط على حواره فترة، ولا يتحيف بيانة عجمة، ولا تعترض لسانه عقدة. فلان رقيق الأسلة، عذب العذبة. لو وضع لسانه على الشعر حلقه، أو على الصخر فلقه، أو على الجمر أحرقه، أو على الصفا خرقه. أما ترى فلاناً ولسنه? وكيف يجر في الفصاحة رسنه. كأن لسانه ثعبان ينساب بين رمال، أو ماء يتغلغل بين جبال. كأن لسانه مخراق لاعب، أو غرار سيف قاضب. قد أحسن السفارة، واستوفى العبارة، وأدى الألفاظ واستغرق الاغراض، وأصاب شواكل المراد، وطبق مفاصل السداد. لسانه كلسان ابن الحمرة، أو سنان عنترة.
ذكر الاطناب
بسط عنان الخطاب، ومد أطناب الإطناب، وطلب الأمد في الإسهاب. قال حتى قال الكلام لو أعفيت، وكتب حتى قالت الأقلام قد أحفيت. قد أتسع به مشرع الإطناب، وانفرج مسلك الإسهاب، أرسل لسانه في ميدانه، وأرخى من عنانه. نفض ما في رأسه، وفرغ جعبة وسواسه. تصرفت في كذا فأطلت وأطبت، وقلت فأطنبت. قال فأطال، وجال في بسط المقال كل مجال. إذا اسحنفر في الكلام طفح آذيه، وسال أتيه، انثال عليه الكلام، انثيال الغمام، واستجاب له الخطاب، ولا صوب الرباب.
وصف النثر والنظم معاً
نثر كنثر الورد، ونظم كنظم العقد. نثر كالسحر أو أدق، ونظم كالماء أو أرق. رسالة كالروضة الأنيقة، وقصيدة كالمخدرة الرشيقة. رسالة تقطر ظرفاً، وقصيدة تمزج بها الراح لطفاً. نثره سحر البيان، ونظمه قطع الجنان. نثر كما تفتح الزهر، ونظم كما تنفس السحر. نثر ترق نواحيه وحواشيه، ونظم تسحر ألفاظه ومعانيه. نثر كالحديقة تفتحت أحداق وردها، ونظم كالخريدة توردت أشجار نهدها. رسالة تضحك عن زهر وغرر، وقصيدة تنطوي على حبر ودرر، لم ترض في برك بأخوات النثرة من نثرك، حتى وصلتها ببنات الشعرى من شعرك. كلام كما هب نسيم السحر على صفحات الزهر، ولذ طعم الكرى بعد برح السهر، وشعر في نفسه شاعر، توسم به المواسم والمشاعر. كلام أنسى حلاوة الأولاد بحلاوته، وطلاوة الربيع بطلاوته، شعر من حلة الشباب مسروق، ومن طينة الوصال مخلوق.
وصف لشعر
قصيدة في فنها فريدة. قصيدة أخلصت على قصد، وفريدة أتت من فرد. هي صوب العقول، تغبر في نواصي الفحول. عروس كستها القوافي، وحلتها المعاني. شعر يترقرق فيه ماء الطبع، ويرتفع له حجاب القلب والسمع. شعر ملكني العجب به، وبهرني التعجب منه. شعر لا مزية الإيجاز أخطأته، ولا فضيلة الإعجاز تخطته. شعر رويته، لما رأيته، وحفظته، لما لحظته. أبيات لو جعلت خلعة على الزمان لتحلى بها مكاثراً، أو تجلى فيها مفاخراً. راقني الشعر حتى شاقني، فإنه مع قرب لفظه بعيد المرام، مستمر النظام. قوي الأسر، صافي النحر. قد ألبس من البداوة فصاحتها، وغشى من الحضارة سجاحتها، فإن شئت قلت عبيد ولبيد، وإن شئت قلت حبيب ووليد. شعر يختلط بأجزاء النفس لنفاسته، ويكاد يعين كاتبه من سلاسته. قصيدته تجتنى بالأفكار، ونقل يتناول بالأسماع والأبصار، ونقل العلم والأدب، ألذ من نقل المأكل والمشرب. وفاكهة الكلام، أطيب من فاكهة الطعام. نظم كنظم الجمان، وروض الجنان، وأمن الفؤاد، وطيب الرقاد. لم أر غيرها بكراً استوفت أقسام الحنكة، واستكملت أحكام الدربه، فعليها رونق الشباب، ولها قوة المذكيات الصلاب. روح الشعر، وتاج الدهر. مقدمة عساكر السحر. كل بيت شعر، خير من بيت تبر. شعر يحكم له بالإعجاز والتبريز، ويشبه في صفاء سبكه بالذهب الإبريز. شعر تأتلف القلوب على درره ائتلافا، وتصير الآذان لها أصدافا.
وصف الشعراء
لله دره ما أحلى شعره، وأنقى دره، وأصفى قطره، وأعجب أمره. قد أخذ برقاب القوافي، وملك رق المعاني. فضله برهان حق، وشعره لسان صدق. أجمع أهل جلدته، على أنه معجز بلدته. فلان يغرب، بما يجلب، ويدع بما يبضع. حسن السبك، محكم الرصف، بديع الوصف. مرغوب في شعره، متنافس في سحره. فلان ضارب في قول الشعر بأعلى السهام، آخذ من عيون الفضل بأوفى الأقسام. ماء أشعار وطيتها، وكنز القوافي ومدينتها. شعاره، أشعاره، ودابه، آدابه. فلان ممن يبتده فيبتدع. فلان يجمع بين الإسراع، والإبداع. طبعه يمل عليه، ما لا يمل الاستماع إليه. قريحة غير قريحة، وطبع غير طبع، وخيم غير وخيم. لبيد عنده بليد، وعبيد وأقرانه له عبيد. الفرزدق عنده أقل من فرزدقة خمير، وجرير، يقاد إليه بجرير. قد نسج حللاً لا يلي جدتها الجديدان، ولا تزداد حسناً إلا على مرور الزمان.
في نعت الشعر السائر
نظمه قد نظم حاشيتي البر والبحر، وناحيتي الشرق والغرب. أشعاره قد وردت المياه، وركبت الأفواه، وسارت في البلاد، ولم تسر بزاد، وطارت في الآفاق، ولم تمش على ساق. شعره أسير من الأمثال، وأسرى من الخيال. سار مسير الرياح، وطار بغير جناح. أشعار سارت مسير الشمس وهبت هبوب الريح، فطبقت تخوم الأرض، وانتظمت الشرق إلى الغرب. قد كادت الأيام تنشدها، والليالي تحفظها والجن تدرسها، والطير تتغنى بها.
في ذكر شعر الأكابر والملوك
قرأت الأبيات التي أسفر عنها طبع المجد فعلمت كيف يتكسر الزهر على صفحات الحدائق، وكيف يغرس الدر في رياض المهارق. شعر قد احتبس جريه على فكره، ووقف كيف شاء عند أمره. شعر يعلق في كعبة المجد، ويتوج به مفرق الدهر. جاءت القصيدة ومعها غرة الملك، وعليها رواء الصدق، وفيها سيما العلم، وعندها لسان المجد، ولها صيال الحق، لا غرو إذا فاض بحر العلم على لسان الشعر أن ينتج ما لا عين وقعت على مثله، ولا أذن سمعت بشبهه. شعر يكتب في غرة الدهر، ويشدخ في جبهتي الشمس والبدر.
وصف الكتب البليغة الغزيرة وحسن موقعها
كتاب كتب لي أماناً من الدهر، وهناني أيام العمر. كتاب أوجب من الاعتداد، أوفر الأعداد، وأودع بياض الوداد، سواد الفؤاد. كتاب الظفر به نعيم، والنظر فيه فتح عظيم. كتاب ارتحت لعيانه، واهتززت لعنوانه. كتاب هو من كتب الميامين، التي تأتي من قبل اليمين. كتاب عددته من حجول العمر وغرره، واعتددته من فرص العيش وغرره. كتاب آنس مسموعاً وملحوظاً، وكاد مودعه يكون مدروساً ومحفوظاً. كتاب هو أنفس طالع، وأكرم متطلع، وأحسن واقع. كتاب لو قرئ على الحجارة لانفجرت، أو على الكواكب لانتثرت. كتاب كدت أبليه طياً ونشرا، وقبلته ألفاً ويد حامله عشرا. كتاب نسيت لحسنه الروض والزهر، وغفرت للزمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر. كتاب قد أملته مزية المجد على بنانك، ونطق به لسان الفضل على لسانك، أما النقط على كل حرف نذيرة أناملك بحقه، وآخذ من كل سطر تتجشم تخطيطه نزهة. كذا إذا قرأت من خطك حرفا، وجدت على قلبي خفا، وإذا تأملت من كلامك لفظا، ازددت من أنسي حظا.
تشبيهات هذه الكتب
كتاب كتب لي أماناً من الزمان، وتوقيع وقع عندي موقع الماء من العطشان. كتاب هو تعلة المسافر، وأنسة المستوحش، وزبدة الوصال، وعقلة المستوفز. كتاب هو رقية القلب السليم، وغرة العيش البهيم. كتاب هو سمر بلا سهر، وصفو بلا كدر. كتاب تمتعت منه بالنعيم الأبيض، والعيش الأخضر، واستلمته استلام الحجر الأسود، وكلت طرفي من سطوره بوشي مهلل، وتاج مكلل، وأودعت سمعي من بدائعه ما أنساني سماع الأغاني، من مطربات الغواني. نشأت سحابة من روضك غيمها نعمة سابغة، وغيثها حكمة بالغة. سقت روضة القلب، وقد جهدتها يد الجدب، فاهتزت وربت، واكتست مما اكتسبت. كتاب حسبته ساقطاً إلي من السماء اهتزازاً لمطلعه، وابتهاجاً بحسن موقعه. تناولته كما يتناول الكتاب المرقوم، وفضضته كما يفض الرحيق المختوم. كتاب كالمشرق شرق به المسير وقميص يوسف جاء به البشير. هو في الحسن روضة حزن، بل جنة عدن، وفي شرح النفس، وبسط الأنس، برد الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب. وقد أهديت إلي محاسن الدنيا مجموعة في ورقه، ومباهج الحلل والحلي محصورة في طبقه. كتاب ألصقته بالقلب والكبد، وشممته شم الولد. ورد منه المسك ذكيا، والزهر جنيا، والماء مريا، والعيش هنيا، والسحر بابليا. كتاب مطلعه مطلع أهلة الأعياد، وموقعه موقع نيل المراد.
وصف قصر الكتب
كتاب وجدته قصير العمر، كليالي الوصل بعد الهجر. لم أبدأ به حتى استكمل، وقارب الآخر الأول. كتاب منتقص الأطراف، متقطع الأكناف، أبتر الجوارح، مضطرب الجوانح. كأنه تعريض متحرز، أو توقيع مبرز. كتاب يلتقي طرفاه، ويتقارب مفتتحه ومنتهاه. كتاب اتفق طرفاه صغرا، واجتمعت حاشيتاه قصرا، ما أظنني ابتدأته، حتى ختمته، ولا افتتحته حتى استتمته، ولا لمحته، حتى استوفيته، ولا نشرته، حتى طويته، وأحسبني لو لم أجود ضبطه ولم ألزم يدي حفظه لطار حتى يختلط بالجو فلا أرى منه إلا هباء منثورا، وهواء منشورا. كتاب حسبته يطير من يدي لخفته، ويلطف عن حسي لقلته. عجبت كيف لم تحتمله الرياح قبل وصوله إلي، وكيف لم يختلط بالهواء عند حصوله لدي. كتاب قص الاقتصار أجنحته فلم يدع قوادم ولا خوافي، وأخذ الاختصار جدته فلم يبق ألفاظاً ولا معاني، كتابك كإيماء بطرف، أو وحي بكف، لم أفتتحه حتى استوفيته ولا نشرته حتى طويته.
في ذم الخط والقلم
خطه مضطرب الحروف، متضاعف الضعف والتحريف. خط ممجمج، ولفظ ملجلج. خط سقيم، وخاطر عقيم. خط مجنون، لا يدري ألف أم نون، وسطور، فيها شطور. خط يقذي العين، ويشجي الصدر. خط منحط، كأرجل البط، على الشط، وأنامل السرطان، على الحيطان، قلمه لا يستجيب بريه، والمداد لا يساعد جريه. قلم كالولد العاق والأخ المشاق إذا أدرته استطال، وإذا قومه مال، وإذا بعثته وقف، وإذا وقفته انحرف. قلم أحدل الشق، مضطرب الشق. متفاوت البري، معدوم الجري. محرف القط، مثبج الخط. قلم لم يقلم ظفره فهو يخدش القرطاس، وينفش الأنفاس، ويأخذ بالأنفاس. فلم لا ينبعث إذا بعثته، ولا يقف إن وقفته. قد وقف اضطراب بريه، دون استمرار جريه، واقتطع تفاوت قطه، عن تجويد خطه.
في ذم الكلام
كلام تنبو عن قبوله الطباع، وتتجافى عن استماعه الأسماع. ألفاظ تنبو عنها الآذان فتمجها، وتنكرها الطباع فتزجها. كلام لا يرفع السمع له حجاباً، ولا يفتح القلب لوفده باباً. كلام يصدي الريان، ويصدئ الأذهان. كلام قد تعمل فيه حتى تبدل، وتكلف، حتى تعسف. طبع جاسي، ولفظ قاسي. لا مساغ له في سمع، ولا وصول له مع خلو ذرع. كلام لا الروية فيه ضربت بسهم، ولا الفكرة أجالت فيه بقدح، كلام تتعثر الأسماع من حزونته، وتتحير الأفهام في وعورته. كلمات ضعيفة الاتفاق، قليلة الأعيان، مضمحلة على الأمتحان. ألفاظ تستعار من الرباجي، ومعان تقد من الأثافي. كلام كأنه ثمر قطف قبل أوانه، وشراب نزل دنه قبل إبانه. كلام بمثله يتسلى الأخرس عن بكمه، ويفرح الأصم بصممه. بمثل ذلك الكلام رزق الصمت المحبة، وأعطي الإنصات الفضيلة. كلام أملس المتون. قليل العيون. أثقل من الجندل، وأمر من الحنظل. لفظ أخلاط، فلا يدركه استنباط، ولا يفسره بقراط. لفظه هذيان المحموم، وسوداء المهموم. كلام رث ومعنى غث. لا طائل فيهما، ولا حلاوة عليهما.
في ذم الكاتب
الخرس أحسن من كلامه، والعي أبلغ من بيانه. خاطره ينبو، وقلمه يكبو، يسهو ويغلط، ويخطي ويسقط. هو في الأدب، دعي النسب، ضيق المضطرب، سيء المنقلب. قصير باع الكتابة، قاصر سعي البلاغة. كتبه مضطربة الألفاظ، متفاوتة الأبعاض، منتشرة الأوضاع، متباينة الاغراض. الجلم، أولى بكفه من القلم، والطاس، أليق بها من القرطاس.
في الشاعر والشعر
أبيات ليست من محكم الشعر وحكمه، ولا من أحرار الكلام وغرره. شعر لا حلاوة فيه ولا طلاوة. شعر ضعيف الصنعه، رديء الصيغة، بغيض الصبغة. قد جمع بين إقواء وإبطاء، وإخطاء وإبطاء. ما قطع شعرة، ولا سقى قطرة. لو شعر بالنقيض ما شعر. فلان لا يميز بين خبيث القول وطيبه، ولا يفرق بين بكره وثيبه. فلان منقاد لساذج الكلام يستعمله، نفور من بديعه يهمله. شاعر بارد العبارة، ثقيل الاستعارة، بغيض الإشارة. هو من بين الشعراء، منبوذ بالعراء. لم يلبس شعره حلة الحلاوة. شعر لا يطيب درسه، ولا يخف سرده.
?أوصاف أدوات الكتاب وآلات الكتاب الدواة من أنفع الأدوات. هي للكتابة عتاد، وللخاطر زناد. غدير لا يرده غير الأفهام، ولا يمتح بغير أرشية الأقلام. أنيقة الصبغة. رشيقة الصيغة. مسكية الجلدة، كافورية الحلية. غدير تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره، وتنشأ سحب البلاغة من قراره. دواة تداوي مرض عفاتك، وتدوي قلوب عداتك، على مرفع يؤذن بدوام رفعتك، وارتفاع النوائب عن ساحتك.
في نعت المداد
مداد كسواد العين، وسويداء القلب. مداد كجناح الغداف ولعاب الليل، وألوان دهم الخيل. مداد ناسب خافية الغراب، واستعار لونه شعر الشباب. مداد هو أبهى لدي من ألف فرس بهيم، وأشهى إلي من ملك الأقاليم.
في نعت القلم
أقلام جمة المحاسن، بعيدة عن المطاعن. تعاصي الكاسر المعاصر، فتمانع الغامز القاصر. صلبة المعاجم، لدنة المقاطع. أنابيب ناسبت رماح الخط في أجناسها، وساكنت أسود الغيل في أخياسها، وشاكلت الذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها، كأنها الأميال استواء، والآجال مضاء. بطية الحفى، قوية القوى. لا يشظيها القط، ولا يتشعت بها الخط. أقلام ثجرية موشية الليط، رائقة التخطيط، كل معتدل الكعوب، قوي الأنبوب. باسق الفروع، روي الينبوع. هو أولى باليد من البنان، وآنس بخفي السر من اللسان. هو للأنامل مطية، وعلى الكتابة معونة مرضية. نعم النجدة القلم. يقلم أظافير الدهر، فيملك الأقاليم بالنهي والأمر. إن أردت كان مسجوناً لا يمل الإسار، وإن شئت كان جواداً لا يعرف العثار. لا ينبو إذا نبت الصفاح، ولا يحجم إذا أحجمت اللقاح. القلم مطية تمشي براكبها رهوا، وتكسو الأنامل زهوا.
في نعت السكين
سكين كأن القدر سائقها، والأجل سابقها. مرهفة الصدر، مخطفة الخصر. يجول عليها فرند العتق، ويترقرق فيها ماء الجوهر. كأن المنية تبرق من حدها، والأجل يلمع في متنها. ركبت على نصاب أبنوس، كأن الحدق نفضت عليه صبغها، وحب القلوب كسته لباسها. أخذ لها حديدها الناصع بحظ من الروم، وضرب لها نصابها الحالك بسهم من الزنج. فكأنها ليل من تحت نهار، أو فحم أبدى سنا نار، ذات غرار ماض، وذباب قاض، ومنسر بازي، وجوهر هوائي، ونصاب زنجي، إن أرضيت ولت متناً كالدهان، وإن أسخطت اتقت بناب الأفعوان. سكين أحسن من التلاق، وأقطع من الفراق. تفعل فعل الأعداء، وتنفع نفع الأصدقاء. هي أمضى من القضاء المبرم، وأنفذ من القدر المتاح، وأقطع من ظبة الحسام، وألمع من البرق في الغمام. جمعت حسن المنظر، وكرم المخبر، فتملكت عنان القلب والبصر، ولم يحوجها عتق الجوهر، إلى إمهاء الحجر.
كتاب الممادح والأثنية
وما يجري مجراها، ويأخذ مأخذها
المدح بشرف الأصل وكرم النسب
فلان من سر العنصر الكريم، ومعدن الشرف الصميم. أصل راسخ، وفرع شامخ، ومجد باذخ، وحسب شادخ. طيب العنصر والمركب، كريم المنصب والمنتسب. فلان كريم الطرفين، شريف الجانبين. قد ركب الله دوحته في قرارة المجد، وغرس نبعته في محل الفضل. أصل شريف، وعرق كريم، ومغرس عظيم، ومغرز صميم. المجد لسان أوصافه، والشرف نسب أسلافه. نسب فخم، وشرف ضخم. يستوفي شرف الأرومة، بكرم الأبوة والأمومة. ما أتته المحاسن عن كلالة، ولا ظفر بالهدى عن ضلالة، بل تناول المجد كابراً عن كابر، وأخذ الفخر بين أسرة ومنابر، واكتسب الشرف على الأصاغر والأكابر.
ما يختص من ذلك بأبناء النبوة
استقى عرقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته من ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه عن نبعة الإمامة، وتبحبحت أطرافه في عرصة الشرف والسيادة، وتفقأت بيضته عن سلالة الطهارة. قد جذب القرآن بضبعه، وشق الوحي عن بصره وسمعه، مختار من أكرم المناسب. منتخب من أشرف العناصر. مرتضى من أعلى المحاتد. مؤثر من أعظم العشائر. قد ورث جامعاً عن جامع، وشهد له نداء الصوامع. هو من مضر في سويداء قلبها، ومن هاشم في سواد طرفها، ومن الرسالة في مهبط وحيها، ومن الإمامة في موقف عزها.
في المدح يجمع بين شرفي الأصل والنفس وفضلي الإنتساب والإكتساب
فلان ينزع إلى المحامد بنفس وعرق، ويحن إلى المكارم بوراثة وخلق، يتناسب أصله وفرعه، ويتناصف نجره وطبعه. هو الطيب أصله وفرعه، الزكي بذره وزرعة يجمع إلى عز النصاب، مزية الآداب. لا غرو أن يجري الجواد على عرقه، وتلوح مخايل الليث في شبله، ويكون النحيب فرعاً مشيداً لأصله، له مع نباهة شرفه نزاهة ظلفه، ومع كرم أرومته وجذمه، مزية أدبه وعلمه. لن تخلف ثمرة غرس ارتيد له من المنابت أزكاها، ومن المغارس أطيبها وأغذاها، عصبة خيرة فضلها زاهر وشرفها على شرف النماء. وشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. قد جمع شرف الأخلاق، إلى شرف الأعراق، وكرم الآداب، إلى كرم الأنساب. له في المجد أول وآخر، وفي الفضل قديم وحديث، وفي الكرم تليد وطريف. ليس كل من شرف عرقه، شرف خلقه. ولا كل عود طاب منجمه، طاب معجمه. ولا غرو أن يغمر فضله وهو نجل الصيد الأكارم، أو يغزر علمه وهو فيض البحور الخضارم. دوحة ضرب عرقها وسمق فرعها، وطاب عودها، واعتدل عمودها، وتفيأت ظلالها، وتهدلت ثمارها، وتفرعت أغصانها، وبرد مقيلها.
المجد والشرف والعلى
مجد يلحظ الجوزاء من عال، ويطول النجوم كل مطال. شرف تضع له الأفلاك خدودها وجباهها، وتلثم النجوم أرضه أفواهها وشفاهها. نسب المجد به عريق، وروض الشرف به أنيق، ولسان الثناء بفضله نطوق. مجد يشير إليه النجم الثاقب، وشرف تحفظ طرفيه المناقب. فلك المجد عليه يدور، ويد العلى إليه تشير، يأنس ربع المجد إذا استوحش من استيلاء النقص، ويسكن إليه جأش الفضل. سما من المجد إلى رواسي الأعلام، حين رضي بمواطئ الأقدام، محله سامق، ومجده باسق، وشرفه نجم طارق.
الجود والكرم
فلان رفيق الجود وخليله، وزميل الكرم ونزيله، غرة الدهر وتحجيله، مواهبه الأنواء، وصدره الدهناء. بحر لا يظمأ وارده، ولا يمنع بارده. غوثه موقوف على اللهيف، وعونه مبذول للضعيف. يطغى جوده على وجوده، وهمته على قدرته. يوجب الصلات، كوجوب الصلاة. بابه غير مرتج، لكل مرتج. ينابيع الجود تتفجر من أنامله، وربيع السماح يضحك عن فواضله. هو أوحد في الكرم، وغرة في وجه العالم. هو الكرم أنشيء نفسا، والفضل تمثل شخصا. لو أن البحر مدده، والسحاب يده، والجبال ذهبه، لقصرت عما يهبه. إن طلبت كريماً في جوده، مت قبل وجوده، أو ماجداً في أخلاقه. مت ولم ألاقه، صدره بحر ووعده نذر، قد حكم الآمال في أمواله، واستعبد الأحرار بفعاله. يهتز عند المكارم كالغصن، ويثبت عند الشدائد كالركن. يد حاتم كبنانه من شماله. لا يبلغ كعب في الجود كعبه. له في كل مكرمة غرة الأوضاح، وقادمة الجناح. كريم ملء لباسه، موفق مر أنفاسه. صدره تضيق عنه الدهناء، وتفزع إليه الدهماء. لا مكارم إلا ما صدر عن خلائقه، ولا مناجح إلا ما شيم من بوارقه. غمائم كرمه تفيض، ومآثر جوده تستفيض. يرى تحمل المغارم، من أعظم المغانم. مخلوق من طينة كريمة، ومجبول على أحسن شيمة. خوار العنان في ميدان المكارم.
الجمال وحسن الصورة
قمري التصوير، شمسي التأثير. خلقة سوية صحيحة، وصورة مقبولة صبيحة. منظر يملأ العين، ويملك النفوس. منظر ما أحوجه إلى عيب يصرف عين كماله، عن جماله. طلعة يطلع منها النيران، ويسجد لها الثقلان. مبرقع الغرة بالجمال، مسفر الطلعة بتباشير الإقبال. للعيون في محاسن وجهه مرتع، وللأرواح بها مستمتع. خلق وضي وخلق رضي، وفضل مضي.
البشر والبشاشة
طلعة عليها للبشاشة ديباجة خسروانية، وفيها للطلاقة روضة ربيعية. غرة يجول فيها ماء الكرم، وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم. وجه كأن بشرته قشر البشر، ومواجهته أمان من الدهر. فلان يصل ببشره، قبل أن يصل ببره، ويحيي القلوب بلقائه، قبل أن يميت الفقر بعطائه. شمت من وجهه بارقة المجد، ورأيت في بشره تباشير النجح. قد لحظت من وجهه الأنوار، ومن بنانه الأنواء. أنا من كرم عشرته، وطلاقة أسرته، في روضة وغدير، بل في جنة وحرير.
العلم والأدب
هو بحر من العلم ممدود بسبعة أبحر، ويومه في الأدب كعمر سبعة أنسر. العلم حشو ثيابه، والأدب ملء إهابه، هو شخص الأدب ماثلا، ولسان العلم قائلا. شجرة فضل عودها أدب، وأغصانها علم، وثمرتها عقل، وعروقها شرف. تسقيها سماء الحرية، وتغذيها أرض المروة. هم ملح الأرض إذا فسدت، وعمارة الدنيا إذا خربت، ومعرض الأنام إذا احتشدت. هم جمال الأيام، وخواص الأنام، وفرسان الكلام، وفلاسفة الإسلام. فلان غصن طبعة نضير، وليس له بحمد الله نظير. قد جمع الحفظ الغزير، والفهم الصحيح، والأدب القوي القويم. ما يؤنسه عن الوحشة إلا الدفاتر، ولا تصحبه في الوحدة إلا المحابر. همه مهرة فكرة يستفيدها، وشرود من الكلم يصيدها، فلان يحل دقائق الأشكال، ويزيل معترض الإشكال.
حسن الخلق
خلق لو مزج به البحر لنفى ملوحته، وصفى كدورته. خلق كنسيم الأسحار، على صفحات الأنوار. خلق كالماء صفاء، والمسك ذكاء. أخلاق قد جمعت المروءة أطرافها، وحرست الحرية أكنافها. أخلاق تجمع الهواء المتفرقة على محبته، وتؤلف الآراء المتشتتة في مودته. أخلاق أعذب من ماء الغمام، وأحلى من ريق النحل، وأطيب من زمن الورد. أخلاق أحسن من الدر والعقيان في نحور الحسان، أزكى من حركات الريح بين الورد والريحان.
الظرف واللباقة وحسن العشرة
فلان يستحط العصم بظرفه، ويستنزل النجم بلطفه. ما هو إلا غذاء الحبرة، ونسيم العيش، وقوت النفس، ومادة الأنس، وشمامة الظرفاء، وريحانة الندماء. فلان حلو المذاق، عذب المساغ، أعلى الناس في جد وأحلاهم في هزل. يتصرف مع القلوب، كتصرف السحاب من الجنوب. ذو جد كعلو الجد، وهزل كحديقة الورد. قد طابت عشرته إذا عاشرته، ولانت قشرته، وواصلته فاستحسنت وصاله، وأحمدت خصاله. له عشرة ماؤها يقطر، وصحوها من الغضارة يمطر. هو ريحانة على القدح، وذريعة إلى الفرح. عشرته ألطف من ريح نسيم الشمال، على أديم الماء الزلال، وألصق بالقلب، من علائق الحب. إن أردت فهو سبحة ناسك، أو أحببت فهو تفاحة فائك، أو اقترحت فهو مدرعة راهب، أو آثرت فهو تحية شارب.
طيب الخبر
فلان أخباره ذكية، وآثاره زكية. أخباره تأتينا كما وشت بالمسك رياه، ونم على الصبح محياه. قد انتشر من طيب أخباره ما زاد على المسك الفتيق، وأوفى على الزهر الأنيق. مناقب تشدخ في جبينها غرة الصباح، ويتهادى أنباءها وفود الرياح. فلان أخباره آثاره، وعينه فراره. قد حصل له من حميد الذكر، وجميل النشر، ما لا تزال الرواة تدرسه، والتواريخ تحرسه. سألت عن أخباره فكأني خرجت المسك فتيقا، وصبحت الروض أنيقا. أحببته بالخبر، قبل الأثر، وبالوصف، قبل الكشف. أخباره متضوعة كتضوع المسك الأذفر، ومشرقة إشراق الفجر الأنور. أخباره أرجة، وصفحاته بهجة.
حسن العهد وكرم الود
هو من يثقل ميزان وده، ويحصف ميثاق عهده. فلان كريم العهد، صحيح العقد. سليم الصدر في الود، حميد الصدر فيه والورد. هو لإخوانه عدة يشدهم ويقويهم، ونور يسعى بين أيديهم. هو ثابت ركن الإخاء، صافي شرب الوفاء. حافظ على الغيب ما يحفظه على اللقاء. هو من لا تدور المداهنة في عرصات قلبه، ولا تحوم المواربة على جنبات صدره. فلان يسري إلى كرم العهد، في ضياء من الرشد. عهده نقش على صخر، ووده نسب ملآن من فخر. يقبل من إخوانه العفو، كما يوليهم من إحسانه الصفو. في وده غنى للطالب، وكفاية للراغب، ومراد للصحب، وزاد للركب. هو في حبل الوفاء حاطب، وعلى فرض الإخاء مواظب.
إصابة الرأي
النجح معقود بنواصي آرائه، واليمن معتاد في مذاهب أنحائه. له الرأي الثاقب الذي تخفى مكائده، وتظهر عوائده، والتدبير النافذ الذي تنجح مباديه، وتبهج تواليه. رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودهاء كالبحر في بعد الغور وقرب المغترف. لا يضع رأيه إلا مواضع الإصابة، ولا يصرف تدبيره إلا إلى مواقع السداد والأصالة. له فكر عميق، ورأي وثيق. يعرف من مبادئ الأفعال، خواتم الأعمال، ومن صدور الأمور، أعجاز ما في الصدور. رويته رأي طبيب، وبديهته قدر مصيب. يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح. له رأي لا يخطيء شاكلة الصواب، ولا يخشى عليه بادرة العثار. فلا يخمر الرأي ويجيله، ويجيد الفكر ويطيله، حتى يحصل على لب الصواب ومحض الرأي. إذا أذكى سراج الفكر أضاء الظلام. هو قطب الصواب تدور به الأمور، ومستنبط صلاح يرد إليه التدبير، يرى العواقب في مرآة عقله، وبصيرة ذكائه وفضله. رأي يرد السيف مثلما، والرمح مقلما. آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب. له رأي لا تغيب كواكبه. رأي طبيب داء المملكة. رأي منير، وللأعداء مبير. كأنه ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، ويطالعه بعين الإلهام والتوفيق. فلان يرى بأول رأيه آخر الأمر، وأصاب شاكلة الصواب في رأي محضه، وتدبير مخضه. عجباً لرأيه الذي يستنبط دفائن القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب. قد سرينا من مشورته في ضياء ساطع، ومن رأيه الصواب في حكم قاطع.
التجربة والحنكة
قد وضعت كثرة التجارب في يده مرآة العواقب. قد نجدته مصارف الدهور، وحنكته مصائر الأمور. قد أرضعته الحنكة بابانها، وأدبته الدربة في إبانها. فلان بازل، التجارب حنكته، والأيام عركته. لا تكاد الأيام تريه من أفعاله عجيبا، أو تسمعه من أحواله غريبا. فلان عارف بتدبير الزمان، عالم بتصاريف الأيام. آخذ ببرهان التبريز، نافذ في مجا التحصيل والتمييز. قد صحب الأيام، وتولى النقض والإبرام. هو ابن الدهر حنكة وتجريبا، وعوداً على الغمز صليبا. قد أدبه الليل والنهار، ودارت على رأسه الأدوار، واختلفت به الأطوار. قد ارتضع أفاويق الزمان وحلب أخلاف الليالي والأيام. قد ركب ظهري البر والبحر. ولقي وفدي الخير والشر، وصافح صفحتي النفع والضر، وبلا طعمي الحلو والمر، ورضع ضرعي العرف والنكر، وضرب إبطي العسر واليسر.
في الهمة العالية
له همة على هامة النجم. فلان رفيع مناط الهمة. فسيح مجال الفضل. له همة تعزل السماك الأعزل سموا، وتجر ذيلها على المجرة علوا. همة حلق جناحها إلى عنان النجم، وامتد صباحها من شرق إلى غرب. لا يتعاظمه انتزاف البحر إذا أخطره بفكره، ولا انتساف الصخر إذا ألقاه في وهمه. همته أبعد من مناط الفرقد، وأعلى من منكب الجوزاء، وأوسع من الأرضن، ذات العرض.
الشهامة والنفاذ والجد والجلادة
فلان حي القلب، منشرح الصدر. ذكي الذهن، سجاح الطبع. ليس بالنؤوم، ولا السؤوم. فذ فرد، وأسد ورد. كأن له في كل جارحة قلبا، كأن قلبه عين، وكأن حسه سمع. شهاب مقدم، وقدح مقوم مشدود النطاق، قائم على ساق. لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته. قد جد واجتهد، وحشر وحشد. شمر عن ساق الجد ما أطاق، وشد له النطاق. قد ركب الصعب والذلول، وتجشم الحزون والسهول، وقطع البر والبحر، وأعمل السيف والرمح، وأسرج الدهم والشهب.
التقى والزهد
فلان عذب المشرب، عف المطلب. نقي الساحة من المآثم، بريء الذمة من الجرائم. إذا رضي لم يقل غير الصدق، وإذا سخط لم يتجاوز جانب الحق. يتبع أفضل الطرق، وأرشد الخلق. يرجع إلى نفس أمارة بالخير، بعيدة من الشر، مدلولة على سبل البر. أعرض عن زبرج الدنيا وخدعها، وأقبل على اكتساب نعم الأخرى ومتعها. كف عن زخرف الدنيا ونضرتها، وغض طرفه عن متاعها وزهرتها، وأعرض عنها وقد عرضت له بزينتها، وصد عنها وقد تصدت له في حليتها. فلان ليس ممن يقف في ظل الطمع، فيسف إلى حضيض التضع. نقي جيبه، وسلم غيبه، ولم يدنس ذيله، واستوى في النزاهة نهاره وليله. فلان جلي الصفحة، نقي الصحيفة، عف الإزار، طاهر من الأوزار. قد عاد لإصلاح المعاد، بإعداد الزاد. اعتزل الدنيا وأفرج عن كل ما زاد على الزاد المبلغ، والقوت المقنع.
الكمال والانفراد عن النظراء
فلان مولود في طالع الكمال، وهو جملة الجمال. قد أصبح عين الكمال، وصبح المحافل، وزين المحاضر والمجالس. فريد دهره، وشمس عصره، وزينة مصره. فلان علم الفضل، وواسطة قلادة الدهر، ونادرة الفلك، ونكتة الدنيا، وغرة العصر. قد بايعته يد المجد، ومالت فيه الشورى إلى النص. كيف يذم زمان هو عينه البصيرة، ولمعته الثاقبة المنيرة.
التفضيل والترجيع
فلان يزيد عليهم زيادة الشمس على البدر، والبحر على القصر. هو رائش نبلهم، وبقية فضلهم. وجمة وردهم، وواسطة عقدهم. هو صدرهم وبدرهم، ومن عليه يدور أمرهم. ينيف عليهم إنافة صفحة الشمس على كرة الأرض، كأنهم فلك هو قطبه، وجسد هو قلبه، ومملوك هو ربه. هو مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم. هو بيت القصيدة، وأول الجريدة، وعين الكتيبة، وواسطة القلادة، وإنسان الحدقة، ودرة التاج، ونقش الفص. موضعه من أهل الفضل، موضع الواسطة من العقد، وليل التم من الشهر، كلا بل ليلة القدر إلى مطلع الفجر.
ما يليق ببعض هذه المدائح من حكاية أفعال المحسنين، وحسن آثار المنعمين والألفاظ التي تقع في الشكر، ونشر البر
ذكر الأفضال والأنعام والإحسان والاصطناع
أفضل وأنعم، وأسدى في الإحسان وألحم، وأسرج في الإكرام وألجم. قسم له من إحسانه ما يسع أمما، ويلقي السعادة أمما. أهدى إليه من كرائم البر ما لا يساق مهوره إلا من كرائم النفوس ومخايل الصدور. أعطاه عنان الاهتمام، حتى استولى على قصب المرام. رد عنه الدهر أحص الجناح، وملكه مقادة النجاح. أولاه من معهود البر ومألوفه، ما يربى على مئيه وألوفه. أولاه إسعافاً سمحاً، وعطاءً سحاً، ومنناً صفوا، وعفواً عفوا. أفاض عليه شعاب البر ومساليه، وجمع له شعوب الجميل وقبائله. هطلت عليه سحائب عنايته، ورفرفت حوله أجنحة رعايته، قد فكه بكرمه من قيد السؤال، ومعرة الاختلال. راشه بعد ما حصه الفقر، وأرضاه وقد أسخطه الدهر، وربما نمنا أملاء الجفون، وسهر دوننا لتحقيق الظنون. قد شمت من كرمه أصدق سحاب، وحصلت من إنعامه في أخصب جناب. قد سد ثلمة حالي، وأدر حلوبة مالي.
حسن آثار المنعم
ما أخلو من طل إحسانه ووابله، وعام إنعامه وقابله. قد استمطرت بنوء غزير، وسريت منه في ضو قمر منير. لم يرض بأول السقيا حتى أتى الانسكاب بعد القطر، وطلعت الشمس في أعقاب الفجر. قد كرعت من بره في مشاريع تغزر، ولا تنزر، ورفلت من طوله في ملابس تطول ولا تقصر. أنا منه في ظل ظليل، وفضل جزيل، وريح بليل، ونسيم عليل، وماء روي، ومهاد وطي، وكن كنين، ومكان مكين. أنا آوي إلى ظله كما يأوي الصيد إلى الحرم، وأواجه منه وجه المجد وصورة الكرم. أنا من إنعامه بين خير مستفيض، وجاه عريض، ونعم بيض. قد استظهرت على جور الأيام بعدله، واستترت من دهري بظله. جميع ما أردد فيه طرفي وأعدده من خاص ملكي منتسب إلى عطائه، أو مكتسب بجميل رأيه. مسافة بصري تبعد إن سافرت بها في مواهبه، وركائب فكري تطلح إن أنضيتها في استقراء صنائعه. جمالي مقرون بجماله، وحالي قطعة من حاله.
وصف النعم
نعمة عممت الأمم، وسبقت النعم، وكشفت الهموم ورفعت الهمم. نعمة قد سطع صباحها مستنيرا، وطنب شعاعها مستطيرا. قد غرقتني نعمه حتى استنفدت شكر لساني ويدي وأثقلت ظهري، وتملأت صدري. نعمة عندي مشرقة الجو، مغدقة النو، نيرة الضوء. تتابعت نعمه تتابع القطر، على البلد القفر، وترادفت مننه ترادف الغنى إلى ذي الفقر. نعمة أشرقت لها أراضي، ومطر بها روضي، ووري بها زندي، وعلا معها جدي، وأتاني الزمان يعتذر من إساءته بي، وجاءني الدهر ينتظر أمري. نعمة أنعمت البال، وقوت النفس والحال. نعمة تعم عموم المطر، وتزيد عليه إفراد النفع والضرر. نعم تضعف الخواطر عن التماحها، وتصغر القرائح عن اقترحها.
وصف الأيادي والمنن
له مع كل صباح يد كالصباح أو أشد وضوحاً، وكالنهار أو أصدق ظهورا. قد عمت الآفاق، ووسمت الأعناق. أياد قد حبست الشكر واستعبدت لك الحر. منن توالت توالي القطر، واتسعت سعة البحر، وأثقلت كاهل العبد والحر. عندي قلادة منتظمة قد جعلتها وقفاً على نحور الأيام وجلوتها على أبصار الأنام. أياد يقصر عن عفوها جهد القول، وتزهر بينها سواطه الإنعام والطول. أياديه أطواق في أجياد الأحرار، وأفلاك تدور على ذوي الأخطار. منن تضعف لحملها عواتق الأطواد، ويتضاعف حملها على السبع الشداد. لو تحمل الثقلان، ثقل هذا الامتنان، لأثقل كواهلهم وأضعف عواتقهم. أياد يفرض الشكر لها ويحتم، ويفتح الذكر بها ويختم. أياد تثقل الكاهل، ومنن تتعب الأنامل. منن تضعف متن الشكر، وتنشر معها قوى البشر. منن هي أحسن أثراً من الغيث في أزاهير الربيع، وأحلى موقعاً من الأمن عند الخائف المروع.
ذكر وفورها وكثرتها
منن لا تحصى، أو تحصى الحصى، إذا اطمعت نفسي في تعداد مننه وحصرها، فأطمعتها في إحصاء السحائب وقطرها. أياد لا تحصى حتى تحصى محاسن النجوم، ومنن لا تحصر أو تحصر قطارات الغيوم، وذلك معوز عمر النسور، باق إلى يوم النشور. أياد كعدد الرمل والنمل أعيت على العد، ولم تقف على حد. زادت أياديه حتى كادت تجهد الإعتداد. وتسبق الاعداد أياديه عندي أغزر من قطر المطر، وعوارفه أسرع من لمح البصر.

رد مع اقتباس