عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2010, 09:38 PM   رقم المشاركة : 8
محمد قطيش
 
الصورة الرمزية محمد قطيش






محمد قطيش غير متواجد حالياً

محمد قطيش سيصبح متميزا في وقت قريب


افتراضي

في هديه في علاج الحمى

ثبت في الصحيحين : عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبى صلى
الله عليه وسلم قال : " إنما الحمى أو شدة
الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " .

وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ، ورأوه
منافياً لدواء الحمى وعلاجها ، ونحن نبين بحول الله وقوته وجهه
وفقهه ، فنقول : خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان :
عام لأهل الأرض ، وخاص ببعضهم ، فالأول : كعامة خطابه ،
والثاني : كقوله : " لا تستقبلوا القبلة بغائط ، ولا بول ،
ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا " فهذا ليس بخطاب
لأهل المشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة
وما على سمتها ، كالشام وغيرها . وكذلك قوله :
" ما بين المشرق والمغرب قبلة " .



وإذا عرف هذا ، فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز ،
وما والاهم ، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع
الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ،
وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً ، فإن الحمى حرارة
غريبة تشتعل في القلب ، وتنبث منه بتوسط الروح والدم في
الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر
بالأفعال الطبيعية ، وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية : وهي
الحادثة إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابة
حرارة الشمس ، أو القيظ الشديد ونحو ذلك .



ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وهي لا تكون إلا في مادة أولى ،
ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت
حمى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ،
وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف :
صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها
بالأعضاء الصلبة الأصلية ، سميت حمى دق ،
وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة .

وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء ، وكثيراً
ما يكون حمى يوم ، وحمى العفن سبباً لإنضاج مواد غليظة
لم تكن تنضج بدونها ، وسبباً لتفتح سدد لم
يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .



وأما الرمد الحديث والمتقادم ، فإنها تبرئ أكثر أنواعه برءاً
عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللقوة ، والتشنج الإمتلائي ،
وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .

وقال لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيراً من الأمراض نستبشر
فيها بالحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى
فيه أنفع من شرب الدواء بكثير ، فإنها تنضج من الأخلاط
والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن ، فإذا أنضجتها صادفها الدواء
متهيئة للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سبباً للشفاء .



وإذا عرف هذا ، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات
العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالإنغماس في الماء البارد،
وسقي الماء البارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى
علاج آخر ، فإنها مجرد كيفية حارة متعلقة بالروح ، فيكفي في
زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها ، وتخمد لهبها
من غير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .



ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات ، وقد اعترف فاضل
الأطباء جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة
العاشرة من كتاب حيلة البرء : ولو أن رجلاً شاباً حسن اللحم ،
خصب البدن في وقت القيظ ، وفي وقت منتهى الحمى ، وليس
في أحشائه ورم ، استحم بماء بارد أو سبح فيه ،
لانتفع بذلك . قال : ونحن نأمر بذلك لا توقف .



وقال الرازي في كتابه الكبير : إذا كانت القوة قوية ، والحمى ،
حادة جداً ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ، ينفع
الماء البارد شرباً ، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار ،
وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج ، فليؤذن فيه .

وقوله : " الحمى من فيح جهنم " ، هو شدة لهبها ، وانتشارها ،
ونظيره : قوله : " شدة الحر من فيح جهنم " وفيه وجهان .
رد مع اقتباس