عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2010, 09:57 PM   رقم المشاركة : 28
محمد قطيش
 
الصورة الرمزية محمد قطيش






محمد قطيش غير متواجد حالياً

محمد قطيش سيصبح متميزا في وقت قريب


افتراضي

وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة ، فتشتغل بمعالجته
وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة المرض وآثاره ، فإما
أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ، فلما وضح بين
يديه السلق والشعير ، أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع
الأغذية للناقه ، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية ،
والتلطيف والتليين ، وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه ،
ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء
لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه .


وقال زيد بن أسلم : حمى عمر رضي الله عنه مريضاً له ،
حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى .


وبالجملة : فالحمية من أنفع الأدوية قبل الداء ، فتمنع
حصوله ، وإذا حصل ، فتمنع تزايده وانتشاره .






ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل
والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت
إليه الطبيعة ، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز
الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ،
فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة، فيصلحان
ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه
الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله
عليه وسلم صهيباً وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ،
وعلم أنها لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن علي أنه دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال : " يا علي !
تشتهيه ؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعاً
، ثم قال : حسبك يا علي " .




ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة ،
عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً
فقال له : " ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي خبز بر . وفي
لفظ : أشتهي كعكاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
من كان عنده خبز بر فيبعث إلى أخيه ثم قال : إذا اشتهى
مريض أحدكم شيئاً ، فليطعمه " .


ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول
ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ،
كان أنفع وأقل ضرراً مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعاً في
نفسه ، فإن صدق شهوته ، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ،
وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع ، قد يجلب لها منه ضرراً .
وبالجملة : فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية ،
فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس
إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .


في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد
بالسكون ، والدعة ، وترك الحركة ،
والحمية مما يهيج الرمد


وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيباً
من التمر ، وأنكر عليه أكله ، وهو أرمد ، وحمى
علياً من الرطب لما أصابه الرمد .

وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي : أنه صلى الله
عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه
لم يأتها حتى تبرأ عينها .


الرمد : ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ،
وهو بياضها الظاهر ، وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة ،
أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن ، فينبعث
منها قسط إلى جوهر العين ، أو ضربة تصيب العين ،
فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقداراً كثيراً تروم
بذلك شفاءها مما عرض لها ، ولأجل ذلك يرم العضو
المضروب ، والقياس يوجب ضده .




واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران ،
أحدهما : حار يابس ، والآخر : حار رطب ، فينعقدان
سحاباً متراكماً ، ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء ،
فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ،
فيمنعان النظر ، ويتولد عنهما علل شتى ، فإن قويت
الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ، أحدث الزكام ،
وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق ، وإن دفعته
إلى الجنب ، أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر ،
أحدث النزلة ، وإن انحدر إلى القلب ، أحدث الخبطة ،
وإن دفعته إلى العين أحدث رمداً ، وإن انحدر إلى الجوف ،
أحدث السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ،
وإن ترطبت أوعية الدماغ منه ، وامتلأت به عروقه أحدث
النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطباً ، والسهر يابساً . وإن
طلب البخار النفوذ من الرأس ، فلم يقدر عليه ، أعقبه
الصداع والسهر ، وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس ،
أعقبه الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة .
أعقبه داء البيضة ، وإن برد منه حجاب الدماغ ،
أو سخن ، أو ترطب وهاجت منه أرياح ، أحدث العطاس ،
وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي ،
أحدث الإغماء والسكات ، وإن أهاج المرة السوداء حتى
أظلم هواء الدماغ ، أحدث الوسواس ، وإن فاض ذلك إلى
مجاري العصب ، أحدث الصرع الطبيعي ، وإن ترطبت
مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه ، أعقبه الفالج ،
وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ ،
أحدث البرسام ، فإن شركه الصدر في ذلك ، كان
سرساماً ، فافهم هذا الفصل .

رد مع اقتباس