والصداع يكون عن أسباب عديدة :
أحدها : من غلبة واحد من الطبائع الأربعة .
والخامس : يكون من قروح تكون في المعدة ، فيألم
الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر
من الرأس بالمعدة .
والسادس : من ريح غليظة تكون في المعدة ، فتصعد إلى الرأس فتصدعه .
والسابع : يكون من ورم في عروق المعدة ، فيألم الرأس بألم المعدة للإتصال الذي بينهما .
والثامن : صداع يحصل عن امتلاء المعدة من الطعام ،
ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئاً ، فيصدع الرأس ويثقله .
والتاسع : يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم ، فيصل إليه
من حر الهواء أكثر من قدره .
والعاشر : صداع يحصل بعد القئ والإستفراغ ، إما لغلبة
اليبس ، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه .
والحادي عشر : صداع يعرض عن شدة الحر
وسخونة الهواء .
والثاني عشر : ما يعرض عن شدة البرد ، وتكاثف
الأبخرة في الرأس وعدم تحللها .
والثالث عشر : ما يحدث من السهر وعدم النوم .
والرابع عشر : ما يحدث من ضغط الرأس
وحمل الشئ الثقيل عليه .
والخامس عشر : ما يحدث من كثرة الكلام ،
فتضعف قوة الدماغ لأجله .
والسادس عشر : ما يحدث من كثرة الحركة
والرياضة المفرطة .
والسابع عشر : ما يحدث من الأعراض النفسانية ، كالهموم ،
والغموم ، والأحزان ، والوساوس ، والأفكار الرديئة .
والثامن عشر : ما يحدث من شدة الجوع ، فإن الأبخرة
لا تجد ما تعمل فيه ، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه .
والتاسع عشر : ما يحدث عن ورم في صفاق الدماغ ،
ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه .
والعشرون : ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال
حرارتها فيه فيتألم ، والله أعلم .
وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس
وحدها حاصلة فيها ، أو مرتقية إليها ، فيقبلها الجانب
الأضعف من جانبيه ، وتلك المادة إما بخارية ، وإما
أخلاط حارة أو باردة ، وعلامتها الخاصة بها ضربان
الشرايين ، وخاصة في الدموي . وإذا ضبطت بالعصائب ،
ومنعت من الضربان ، سكن الوجع .
وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له : أن هذا
النواع كان يصيب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيمكث
اليوم واليومين ، ولا يخرج .
وفيه : عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وقد عصب رأسه بعصابة .
وفي الصحيح ، أنه قال في مرض موته : " وارأساه "
وكان يعصب رأسه في مرضه ، وعصب الرأس ينفع
في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس .
وعلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه ، فمنه
ما علاجه بالإستفراغ ، ومنه ما علاجه بتناول الغذاء ،
ومنه ما علاجه بالسكون والدعة ، ومنه ما علاجه
بالضمادات ، ومنه ما علاجه بالتبريد ، ومنه ما علاجه
بالتسخين ، ومنه ما علاجه بأن يجتنب سماع
الأصوات والحركات .
إذا عرف هذا ، فعلاج الصداع في هذا الحديث بالحناء ،
هو جزئي لا كلي ، وهو علاج نوع من أنواعه ، فإن
الصداع إذا كان من حرارة ملهبة ، ولم يكن من مادة
يجب استفراغها ، نفع فيه الحناء نفعاً ظاهراً ، وإذا
دق وضمدت به الجبهة مع الخل، سكن الصداع،
وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به ، سكنت أوجاعه ،
وهذا لا يختص بوجع الرأس ، بل يعم الأعضاء ،
وفيه قبض تشد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع
الورم الحار والملتهب ، سكنه .
وقد روى البخاري في تاريخه وأبو داود في السنن
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شكى إليه أحد
وجعاً في رأسه إلا قال له : " احتجم " ، ولا شكى
إليه وجعاً في رجليه إلا قال له : " اختضب بالحناء " .
وفي الترمذي : عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى
الله عليه وسلم قالت : كان لا يصيب النبي صلى الله
عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء .
والحناء بارد في الأولى ، يابس في الثانية ، وقوة شجر
الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من
جوهر فيها مائي ، حار باعتدال ، ومن قوة قابضة
اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد .