فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع ، أمكن الإستدلال بفعله صلى
الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما
المانع أن يكون الصوم نفلاً يجوز الخروج منه بالحجامة
وغيرها ، أو من رمضان لكنه في السفر ، أو من رمضان
في الحضر ، لكن دعت الحاجة إليها كما تدعو حاجة من به
مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضاً من رمضان في الحضر
من غير حاجة إليها ، لكنه مبقى على الأصل . وقوله :
" أفطر الحاجم والمحجوم " ، ناقل ومتأخر ، فيتعين
المصير إليه ، ولا سبيل إلى إثبات واحدة من
هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها .
وفيها دليل على استئجار الطبيب وغيره من غير
عقد إجازة ، بل يعطيه أجرة المثل ، أو ما يرضيه .
وفيها دليل على جواز التكسب بصناعة الحجامة ، وإن كان
لا يطيب للحر أكل أجرته من غير تحريم عليه ، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ، ولم يمنعه من أكله ،
وتسميته إياه خبيثاً كتسميته للثوم
والبصل خبيثين ، ولم يلزم من ذلك تحريمهما .
وفيها دليل على جواز ضرب الرجل الخراج على عبده كل
يوم شيئاً معلوماً بقدر طاقته ، وأن العبد أن يتصرف فيما
زاد على خراجه ، ولو منع من التصرف ، لكان كسبه كله
خراجاً ولم يكن لتقديره فائدة ، بل ما زاد على خراجه ،
فهو تمليك من سيده له يتصرف فيه كما أراد ، والله أعلم .
***
في هديه صلى الله عليه وسلم في قطع العروق والكي
ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله ، أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً ،
فقطع له عرقاً وكواه عليه .
ولما رمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه
وسلم ثم ورمت ، فحسمه الثانية . والحسم : هو الكي .
وفي طريق آخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن
معاذ في أكحله بمشقص ، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه .
وفي لفظ آخر : أن رجلاً من الأنصار رمي في أكحله
بمشقص ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فكوي .
وقال أبو عبيد : وقد أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل
نعت له الكي ، فقال : " اكووه وارضفوه " . قال أبو عبيد :
الرضف: الحجارة تسخن ، ثم يكمد بها .