عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2010, 09:34 PM   رقم المشاركة : 5
محمد قطيش
 
الصورة الرمزية محمد قطيش






محمد قطيش غير متواجد حالياً

محمد قطيش سيصبح متميزا في وقت قريب


افتراضي


والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لا سيما والداخل
في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ،
ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ،
فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في
الريح التي سلطها على قوم عاد : " تدمر كل شيء بأمر ربها
" [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح
أن تدمره ، ونظائره كثيرة .



ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ،
ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال
قدرة الرب تعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ،
والوحدانية ، والقهر ، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ،
كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته .



وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ،
كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ،
بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات
لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ،
كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها
أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي
حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ،
ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة
الأسباب ، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه
توكلاً ، ولا توكله عجزاً .



وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ،
فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإن المرض
حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي
أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل
الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ،
وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال :
هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن
قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى
الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش
والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من
قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .



ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من
الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعة
والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن
سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم
، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة
المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا :
" لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ،
و " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ،
فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل .

وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم تذكره ، هو أن
الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ،
وإلا فلا ، فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره
لي لم أتمكن من فعله .



قيل : فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك ، وولدك ، وأجيرك إذا
احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ،
فلا تلم من عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ،
وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاً منك في دفع حقوق الله عليك.
وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يا رب
ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال :
فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .

رد مع اقتباس