عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2010, 02:24 AM   رقم المشاركة : 2
ابو فارس
 
الصورة الرمزية ابو فارس





ابو فارس غير متواجد حالياً

ابو فارس على طريق التميز


افتراضي

وللبعد الثاني دوره في تجليهِ محورِ هجوم سيفِ الدولة، في ثغور الروم، معه سيرَ غزوتِهِ واتجاهَها، فيمكَّنُ الباحثَ منَ أنْ يدرسَ إذا أراد طبيعةَ المعركةِ التي خاضَ الحربَ عليها، شأنُهُ في هجومهِ على مَلَطْيَةَ الثغريّة، باتجاه قَباقبَ غرباً ثم يَكُرُّ راجعا باتجاهِ نهرِ الفُرات شرقا،(180) :(181)
وكَرَّت فَمَرَّتْ في دماءِ مَلَطْيَة َ مَلَطْيـَةُ أُمّْ للبنيـنَ ثَكُـولُ
وَأَضْعَفْنَ ما كُلَّفْتَهُ مـن قُباقِبٍ فأضحى كأنَّ الماءَ فيهِ عَليلُ
وَرُعْنَ بنا قلبَ الفُراتِ كأَنّمـا تَخِرُّ عليهِ بالرَّجـالِ سُيـول
الا ترى كيف تُجِلّى الأبعادُ المكانيةُ صورةَ الحرب؟، فتنقُلنا إلى محورِ القتال، اذ تُشخَّصُ مَلَطْيَةَ ثَكُولَ قتلاها، بصورةٍ دمويّة مِنواحٍ، وتجلّي صورة سيف الدولة مُتّجِها إلى قُبَاقِبَ، ويجتازُ نَهْرَها، فندركُ منطقةَ المناورة التي حَدَثَ بها الهجوم، وبعدَ أنْ يُنْجِزَ مَهَمّتَهُ يعودُ ، يرافِقُهم الشاعرُ، بدليلِ قولهِ "بنا" وقد اشتركَ الشاعرُ في الحرب غير مَرّة، ألا ترى العناصرَ الضروريةَ التي لَوَّنَها المكانُ، فأضفى عليها أبعادا وَلْنََضْرِبْ مثلًا أخيرا على تحديدِهِ مِحْوَرَ الهجومِ، فنفهمُ بِمُصْطَلَح "الدّرب" الذي كان يَعني في عصرِه "مِحْوَرَ طرسوس" القسطنطينية- أَنَّ مكانَ القتالِ كانَ في الثُّغور الشّاميّة وَعَبْرِها.(182)
رمى الدَّرْبَ بالجُرْدِ الجِياد ِإلى العِدا وما عَلُمِوا أنَّ السَّهام خُيُولُ
بدليلِ أن مصطلحَ الدَّرْبِ هذا يعني المحورَ المذكورَ، ذلك أن أمرا القيس عناه منذ الجاهلية بقوله:(183)
بَكَى صاحبي لمَّا رأى الدَّرْبَ دْوْنَهُ وأَيْقَـنَ أنـّا لاحقانِ بِقَيْصَرا

وتتجلّى الصورةُ عندما يوظِّفُ الأبعادَ المكانيةَ والزَّمانيةَ معا، فَيَحسُِّ المتلقي بالظّروفِ التي أحدقت به، ومعاناتِهم، شأنُهُ في تحديِد زمانِ غزوةِ سيفِ الدولة شتاءً بدليل توظيفه "سيحان جامد":(184)
أخو غزواتٍ ما تُغِبُّ سُيُوفُهُ رِقَابُهُمُ إلاّ وَسيْحانُ جَامِدُ

فَيُحَدِّدُ مِحْورَاً من الثغورِ الشامية، لأِنَّ سيَحانَ اصغرُ من جَيحان، وتقع عليه أَذْنَهُ في ثغور الروم(185): ولنا أنْ تتخّيل صورةَ الحرب في هذا المحور، والنَّهْرُ جَمُدَ لِشِدَّةِ البَرْدِ.
وبالمَكانِ والزّمانِ تَتَجلّى سَيْرُ العمليةِ العسكريةِ، من أمد مِنَ الثغورِ البَكريّة، إلى نهر جَيحانَ، لِمُدةِ ثلاثةِ أيام زمانا، وهي مدةٌ زمنيةٌ فيها مَشَقَةٌ، تُبْرِزُ مسيرهَ ليلا، وتحدّدُ مِحْورَ حَرَكَتِه العسكرية، فتقرّبُهُ مِن هَدَفِه "جَيحان" وتُبْعِدُه عن قاعدتِهِ العسكريّة "آمد" التي انطلق منها (186)
سَرَيْتَ إلى جَيحانَ مِنْ أرضِ آمدٍ ثلاثاً، لقد أدناكَ رَكْضٌ وَأبْعدَا

لقد حَدَّد الشعر قاعدةَ الهجومِ من آمد عاصمةِ الثغور الشّامية، ومسيرَهُ ليلا لِتُذكِّرَه، كما تَجلّى بالأبعاِد المكانيِة والزمانيِة أحيانا قَوْسُ مسؤوليتِه، فندركُ أن سيفَ الدولةِ 0كان حامياً للثُغورِ جميعِها الشاميِة والجرزيّة متخّذا له البكرية ثغوراً بالعمق.
ويحدِّدُ الصيفَ زمانا لغزوة من غزوات ممدوحهِ بدليل قوله:(187)
وَشُرَّبٌ أحْمَتِ الشِّعرى شَكائِمَها وَوَسَّمَتْها على آنافها الحَكَمُ

فنفهمُ أنَّ الغزواتِ كانت صوائفَ وشواتي، حَدَّد مواعيدها صاحبُ "الِخَراج وصناعة الكتابة"(188) كما تَستوقِفُهُ الحربُ الليليةُ زمانا، ففي رومياته، وبعد أنْ يأسر سيف الدولة رُوْماً من ثغر هِنْزِيط شماليَّ شرقيَّ مَلَطْيةَ، من الثغورِ الجزريِة، ها هو ينشرُهم في آمد، ثم يتَّجِهُ جنوباً باتجاهِ بلادِ الشامِ فَيَحتلُّ حِصني؛ الصفصافَ وسابورَ، في محوِر الدَّربِ، ثم يسيرُ ليلا، في وادي الصفصافِ، مُختتما مَهمَّتَهُ بعد أنْ هَدَمَ الحصونَ(189) ليلا، فيقول:(190)
وَتُضْحِي الحُصونُ المُشْمَخرْاتِ في الذُّرى وَخَيـْلُكُ فـي أعْنَاقِهِـنَّ قَلائِدُ
عَصَفْنَ بهِمْ يَـوْمَ اللُّقـانِ وَسُقنَهُـمْ بـ هنريـط حتى ابْيَضَّ بالسَّبي آمد
وأَلحْقَنَ بالصَّفصـافِ سابـُورَ فانهـوى وذاقَ الرَّدى أهلاهُما والجَلامِدُ


وقد يُشَكِّلُ الليلُ في بعضِ صورهِ ليلا من الغُبارِ، ومع ذلك يُطارِدُ سيفُ الدولةِ خُصومَه من بني كلاب، وَيَهِزمُهم في هذا الموقِف المعتِم المغبّر، فندرك أبعاد الصورة النفسية للقائد المنتصر:(191)
إذا صَرَفَ النَّهارُ الضَّوْءَ عَنْهُم دجـا ليلانِ :ليلٌ والُغبارُ

كما يحاربُهم بِضَوءِ النَّهار وبريقُ السيوفِ معه إنها صورة لونيّة صوتيّة:(192)
وإنْ جُنْحُ الظَّلامِ آنجابَ عنهم أضَـاءَ المَشْرَفَيَّةُ والنَّهارُ

وبالأبعاد المكانيِة والزمانيِة ظهرت إدامهُ الزَّخمِ في هجوم ممدوحِه، على عدوّه ليلَ نهارَ حتى أحرزَ النصرَ عليه:
هذا، وقد أبرز الدارس صورا متعددة للمحاربِ في شعرِ المتنبي، من حيث سماتُهُ وموقعُ القادةِ، ومَعداتُ الحرب، وَدلالاتُها، ومن حيثُ لباسُه الحربُّي، ودلالاتُه، وأبرزت الدراسة صورا من الخيل، ودلالاتِها، أبرزت الدارسة فُنوناً من الحربِ ودلالاتِها واخْتُتَمتْ بصورٍ من الأبعادِ المكانيةِ والزمانية بدلالاتٍ متعددّة مما قد يشير إلى أهميّة مثل هذه الدراسات، ولا سيما عند مواجهة النص.

















المصادر والمراجع
1- القران الكريم.
2- ابن الآثير، ضياء الدين الموصلي: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، طبع بولاق، 1282هـ.
3- ابنُ الاثير؛ علي بن محمد بن عبد الكريم: الكامل في التاريخ، بيروت: دار صادر، 1966، مجلد 8.
4- ابن مسكوبة، احمد: تجارب الأمم، طبع شركة التمدن الصناعية، مصر، 1915، بوقوفAmedroz ، نشر لندن، سنة 1921، ج2.
5- ابن منظور، عبد الله محمد المكرم الأنصاري: لسان العرب المحيط، تقديم العلامة عبد الله العلايلي، وإعداد يوسف خيّاط، بيروت، دار لسان العرب.
6- ابو ديب، كمال- (الدكتور): في الشعرية، بيروت: مؤسسة الابحاث العربيـة، ط2، 1987.
7- ابو ناجي، محمود حسن عبد ربّه (الدكتور): الحَرْبُ في شعرِ المتنبي، جَدَّة، دار الشروق، ط1، 1980، جزءان.
8- الأيوبي وزملاؤه: الموسوعة العسكرية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
9- البديعي يوسف: الصبحُ المنبي عن حيثيتهَ المتنبي، مخطوط دار الكتب المصرية، ورقمه 533 ورقة منسوخ سنة 364.
10- البرقوقي، عبد الرحمن: ديوان المتنبي، بيروت، دار الكتب العربي، 1980
11- الثعالبي، أبو منصور: يتيمة الدّهر، طبعة اسماعيل الصاوي، بمصر، 1934م.
12- الحموي، ياقوت: معجم البلدان، بيروت، دار صادر.
13- الدنيوري، عبد الله بن قتيبة: كتاب المعاني الكبير في ابيات المعاني، بيروت، دار الكتب العلمية، كتاب الخيل، ج1.
14- ديوان أبي فراس الحمداني، طبع بيروت، 1910م.
15- ديوان أبي الطيب المتنبي: شرح هوامشه وكتبها مصطفى سبتي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية.
16- ديوان المتنبي؛ وضعه عبد الرحمن البرقوقي، بيروت، دار الكتاب العربي، 14هـ، 1980م.
17- الربايعة، حسن (الدكتور): الصُّورةُ الفنيّةُ في شعر البحتري- رسالة دكتوراه- الجامعة الاردنية، 1994.
18- الرّباعي، عبد القادر (الدكتور): الصُّورةُ الفنيةُ في النّقد الشعري- دراسة في النظرية والتطبيق، الرياض- دار العلوم والنشر، 1984.
19- قُدامة بن جعفر: الخَراج وصِناعةُ الكتابة، تحقيق وشرح الدكتور محمد حسين الزبيدي، بغداد، دار الرشيد، وزارة الثقافة والاعلام- سلسلة كتب التراث، طبعة أولى، 1981.
20- الكلبي، عبد الله بن محمد الجزي: كتاب الخيل: مطلع اليُمن والإقبال في انتقاء كتاب الاحتفال، تحقيق محمد العربي خطابي، بيروت، دار الغرب الاسلامي، 1986.
21- الكلبي: كتابان في الخيل- نَسَبُ الخيل لابن الكلبي؛ وأسماء الخيل وفرسانها لابن الاعرابي لابي منصور الجواليقي، بمجلد ، تحقيق د. نوري حمودي القيسي والدكتور حاتم الضامن، بيروت، عام الكتب، 1987.
22- الكلبي: انسابُ الخيل في الجاهلية والإسلامِ وأخبارُها، تحقيق احمد زكي، نسخة مصوّرة عن دار الكتب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977.
23- ليسترانج كي: بلدان الخلافة الشرقية، تعريب بشير فرنسيس، وكوركيس عواد، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ، 1985.
24- المانع، سعاد عبد العزيز (الدكتورة): سَيفياّت المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي، جامعة الرياض، 1987.
25- المحاسني، زكي (الدكتور): شعر الحرب في أدب العرب في العصرين الأموي والعباسي، دار المعارف بمصر، ط2.
26- مؤنس، حسين (الدكتور): أطلس تاريخ الاسلام، القاهرة، الزهراء للاعلام العربي، ط1، 1987م.

رد مع اقتباس