وقال صاحب القانون : أوقاتها في النهار : الساعة الثانية
أو الثالثة ، ويجب توقيها بعد الحمام إلا فيمن دمه
غليط ، فيجب أن يستحم ، ثم يستجم ساعة ، ثم يحتجم ، انتهى .
وتكره عندهم الحجامة على الشبع ، فإنها ربما أورثت
سدداً وأمراضاً رديئة ، لا سيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً .
وفي أثر : " الحجامة على الريق دواء ،
وعلى الشبع داء ، وفي سبعة عشر من الشهر شفاء " .
واختيار هذه الأوقات للحجامة ، فيما إذا كانت على
سبيل الإحتياط والتحرز من الأذى ، وحفظاً للصحة .
وأما في مداواة الأمراض ، فحيثما وجد الإحتياح إليها
وجب استعمالها . وفي قوله : " لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله
" دلالة على ذلك ، يعني لئلا يتبيغ ، فحذف حرف الجر مع
( أن ) ، ثم حذفت ( أن ) . والتبيغ : الهيج ، وهو مقلوب البغي ،
وهو بمعناه ، فإنه بغي الدم وهيجانه . وقد تقدم
أن الإمام أحمد كان يحتجم أي وقت احتاج من الشهر .
***
وأما اختيار أيام الأسبوع للحجامة ، فقال الخلال في جامعه :
أخبرنا حرب بن إسماعيل ، قال : قلت لأحمد : تكره الحجامة
في شء من الأيام ؟ قال : قد جاء في الأربعاء والسبت .
وفيه : عن الحسين بن حسان ، أنه سأل أبا عبد الله عن الحجامة :
أي يوم تكره ؟ فقال : في يوم السبت ، ويوم الأربعاء ،
ويقولون : يوم الجمعة .
وروى الخلال ، عن أبي سلمة وأبي سعيد المقبري ،
عن أبي هريرة مرفوعاً : " من احتجم يوم الأربعاء
أو يوم السبت ، فأصابه بياض أو برص ، فلا يلومن إلا نفسه " .
وقال الخلال : أخبرنا محمد بن علي بن جعفر ، أن يعقوب
بن بختان حدثهم ، قال : سئل أحمد عن النورة والحجامة
يوم السبت ويوم الأربعاء ؟ فكرهها . وقال : بلغني عن
رجل أنه تنور ، واحتجم يعني يوم الأربعاء ،
فأصابه البرص . قلت له : كأنه تهاون بالحديث ؟ قال : نعم .
وفي كتاب الأفراد للدارقطني ، من حديث نافع قال :
قال لي عبد الله بن عمر : تبيغ بي الدم ، فابغ لي حجاماً ،
ولا يكن صبياً ولا شيخاً كببراً ، فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : " الحجامة تزيد الحافظ حفظاً ،
والعاقل عقلاً ، فاحتجموا على اسم الله تعالى ، ولا تحتجموا
الخميس ، والجمعة ، والسبت ، والأحد ، واحتجموا الإثنين ،
وما كان من جذام ولا برص ، إلا نزل يوم الأربعاء " .
قال الدارقطني : تفرد به زياد بن يحيى ، وقد رواه
أيوب عن نافع ، وقال فيه : " واحتجموا
يوم الإثنين والثلاثاء ، ولا تحتجموا يوم الأربعاء " .
وقد روى أبو داود في سننه من حديث أبي بكرة ، أنه كان
يكره الحجامة يوم الثلاثاء ، وقال : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها الدم " .
***
وفي ضمن هذه الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي ،
واستحباب الحجامة ، وأنها تكون في الموضع الذي
يقتضيه الحال ، وجواز احتجام المحرم ، وإن آل إلى
قطع شئ من الشعر ، فإن ذلك جائز . وفي وجوب الفدية
عليه نظر ، ولا يقوى الوجوب ، وجواز احتجام الصائم ،
فإن في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " احتجم وهو صائم " . ولكن هل يفطر بذلك ،
أم لا ؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ، لصحته
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ،
وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ، ولكن
لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور . أحدها :
أن الصوم كان فرضاً . الثاني : أنه كان مقيماً . الثالث :
أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة . الرابع :
أن هذا الحديث متأخر عن قوله : " أفطر الحاجم والمحجوم " .