منتديات الشبول سات

منتديات الشبول سات (https://www.shbool-sat.com/vb/index.php)
-   منتدى الطب النبوي والتداوي بالاعشاب (https://www.shbool-sat.com/vb/forumdisplay.php?f=80)
-   -   لعيون الغوالي الموضوع الشامل في الطب النبوي (https://www.shbool-sat.com/vb/showthread.php?t=90)

محمد قطيش 03-10-2010 09:31 PM

لعيون الغوالي الموضوع الشامل في الطب النبوي
 
http://stashbox.org/796665/939a306a0f8f.gif



منذ مدة وانا افكر في تقديم هذا الموضوع
الهام والشيق واليوم بعد ما انتهيت من
تجميعه وتنسيقه
اقدمه لكم شاملاً وهو يحتوي على مواضيع عدة
اتمنى ان تنال رضاكم

واتمنى ان ينال اعجابكم ا

والآن اترككم مع الموضوع

في هديه في العلاج بشرب العسل ، والحجامة ، والكي

واختلف الأطباء فى الحجامة على نقرة القفا ، وهى القمحدوة

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج عرق النسا

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج يبس الطبع ، واحتياجه إلى ما يمشيه ويلينه

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حكة الجسم وما يولد القمل



المرض : نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .

ومرض القلوب : نوعان : مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغي ،
وكلاهما في القرآن . قال تعالى في مرض الشبهة :
" في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا " [ البقرة : 110 ]
وقال تعالى : " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا
أراد الله بهذا مثلا " [ المدثر : 31 ] وقال تعالى في حق من
دعي إلى تحكيم القرآن والسنة ، فأبى وأعرض : " وإذا دعوا
إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن
لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون
أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون "
[ النور : 48 و 49 ] فهذا مرض الشبهات والشكوك .

وأما مرض الشهوات ، فقال تعالى : " يا نساء النبي لستن كأحد
من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه
مرض " [ الأحزاب : 32 ] . فهذا مرض شهوة الزنى ، والله أعلم .





وأما مرض الأبدان ، فقال تعالى : " ليس على الأعمى حرج ولا
على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " [ النور : 61 ] ،
وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين
لك عظمة القرآن ، والإستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه ،
وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، والحمية عن
المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة ، فذكر سبحانه هذه الأصول
الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة .

فقال في آية الصوم : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر " [ البقرة : 184 ] ، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض ،
وللمسافر طلباً لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر
لاجتماع شدة الحركة ، وما يوجبه من التحليل ، وعدم الغذاء الذي
يخلف ما تحلل ، فتخور القوة ، وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر
حفظاً لصحته وقوته عما يضعفها .

وقال في آية الحج : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " [ البقرة : 196 ) ، فأباح للمريض ،
ومن به أذى من رأسه ، من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما ، أن يحلق
رأسه في الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى
في رأسه باحتقانها تحت الشعر ، فإذا حلق رأسه ، تفتحت المسام ،
فخرجت تلك الأبخرة منها ، فهذا الإستفراغ يقاس عليه كل استفراغ
يؤذي انحباسه .



والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة : الدم إذا هاج ،
والمني إذا تبيغ ، والبول ، والغائط ، والريح ، والقئ ، والعطاس ،
والنوم ، والجوع ، والعطش . وكل واحد من هذه العشرة يوجب
حبسه داء من الأدواء بحسبه .

وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها ، وهو البخار المحتقن في الرأس
على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة القرآن التنبيه
بالأدنى على الأعلى .

محمد قطيش 03-10-2010 09:32 PM



وأما الحمية : فقال تعالى في آية الوضوء : " وإن كنتم مرضى أو
على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا
ماء فتيمموا صعيدا طيبا " [ النساء : 43 ) ، فأباح للمريض العدول
عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه ، وهذا تنبيه
على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج ، فقد أرشد - سبحانه -
عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده ، ونحن نذكر هدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي .



فأما طب القلوب ، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ،
ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب
أن تكون عارفة بربها ، وفاطرها ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ،
وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه ، متجنبة لمناهيه
ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلى
تلقيه إلا من جهة الرسل ، وما يظن من حصول صحة

القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه
البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوتها ، وحياة قلبه وصحته ،
وقوته عن ذلك بمعزل ، ومن لم يميز بين هذا وهذا ، فليبك على
حياة قلبه ، فإنه من الأموات ، وعلى نوره ، فإنه منغمس في بحار الظلمات .





وأما طب الأبدان : فإنه نوعان :

نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمه ، فهذا لا يحتاج فيه
إلى معالجة طبيب ، كطب الجوع ، والعطش ، والبرد ، والتعب
بأضدادها وما يزيلها .



والثاني : ما يحتاج إلى فكر وتأمل ، كدفع الأمراض المتشابهة
الحادثة في المزاج ، بحيث يخرج بها عن الإعتدال ، إما إلى حرارة ،
أو برودة ، أو يبوسة ، أو رطوبة ، أو ما يتركب من اثنين منها ،
وهي نوعان : إما مادية ، وإما كيفية ، أعني إما أن يكون بانصباب مادة
، أو بحدوث كيفية ، والفرق بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال
المواد التي أوجبتها ، فتزول موادها ، ويبقى أثرها كيفية في المزاج .



وأمراض المادة أسبابها معها تمدها ، وإذا كان سبب المرض معه ،
فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولاً ، ثم في المرض ثانياً ، ثم في
الدواء ثالثاً . أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته ،
إما في شكل ، أو تجويف ، أو مجرى ، أو خشونة ، أو ملاسة ، أو
عدد ، أو عظم ، أو وضع ، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها
البدن سمي تألفها اتصالاً ، والخروج عن الإعتدال فيه يسمى تفرق
الإتصال ، أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية .



والأمراض المتشابهة : هي التي يخرج بها المزاج عن الإعتدال ،
وهذا الخروج يسمى مرضاً بعد أن يضر بالفعل إضراراً محسوساً .

وهي على ثمانية أضرب : أربعة بسيطة ، وأربعة مركبة ، فالبسيطة :
البارد ، والحار ، والرطب ، واليابس ، والمركبة : الحار الرطب ،
والحار اليابس ، والبارد الرطب ، والبارد اليابس ، وهي إما أن تكون
بانصباب مادة ، أو بغير انصباب مادة ، وإن لم يضر المرض بالفعل
يسمى خروجاً عن الإعتدال صحة .



وللبدن ثلاثة أحوال : حال طبيعية ، وحال خارجة عن الطبيعية ،
وحال متوسطة بين الأمرين . فالأولى : بها يكون البدن صحيحاً ،
والثانية : بها يكون مريضاً . والحال الثالثة : هي متوسطة بين
الحالتين ، فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط ، وسبب خروج
البدن عن طبيعته ، إما من داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ،
والرطب واليابس ، وإما من خارج ، فلأن ما يلقاه قد يكون موافقاً ،
وقد يكون غير موافق ، والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من
سوء المزاج بخروجه عن الإعتدال ، وقد يكون من فساد في العضو ،
وقد يكون من ضعف في القوى ، أو الأرواح الحاملة لها ، ويرجع ذلك
إلى زيادة ما الإعتدال في عدم زيادته ، أو نقصان ما الإعتدال في عدم
نقصانه ، أو تفرق ما الإعتدال في اتصاله ، أو اتصال ما الإعتدال في
تفرقه ، أو امتداد ما الإعتدال في انقباضه ، أو خروج ذي وضع وشكل
عن وضعه وشكله بحيث يخرجه عن اعتداله .

محمد قطيش 03-10-2010 09:33 PM


فالطبيب : هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه ، أو يجمع فيه ما

يضره تفرقه ، أو ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما يضره
نقصه ، فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل والشبه ، ويدفع
العلة الموجودة بالضد والنقيض ، ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من
حصولها بالحمية ، وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم شافياً كافياً بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته .



فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه ،

والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ، ولكن لم يكن
من هديه ولا هدي أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة التي
تسمى أقرباذين ، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما
أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر سورته ، وهذا غالب
طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك ، وأهل
البوادي قاطبة ، وإنما عني بالمركبات الروم واليونانيون ،
وأكثر طب الهند بالمفردات .



وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل

عنه إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه إلى المركب .

قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية .


قالوا : ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية ، فإن الدواء إذا

لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما
يوافقه فزادت كميته عليه ، أو كيفيته ، تشبث بالصحة ، وعبث
بها . وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً ،
وهم أحد فرق الطب الثلاث .



والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية ، فالأمة والطائفة

التي غالب أغذيتها المفردات ، أمراضها قليلة جداً ، وطبها
بالمفردات ، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة
يحتاجون إلى الأدوية المركبة ، وسبب ذلك أن أمراضهم في
الغالب مركبة ، فالأدوية المركبة أنفع لها ، وأمراض أهل
البوادي والصحاري مفردة ، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة ،
فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية .



ونحن نقول : إن ها هنا أمراً آخر ، نسبة طب الأطباء إليه

كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم ، وقد اعترف به
حذاقهم وأئمتهم ، فإن ما عندهم من العلم بالطب منهم من
يقول : هو قياس . ومنهم من يقول : هو تجربة . ومنهم
من يقول : هو إلهامات ، ومنامات ، وحدس صائب . ومنهم
من يقول : أخذ كثير منه من الحيوانات البهيمية ، كما نشاهد
السنانير إذا أكلت ذوات السموم تعمد إلى السراج ، فتلغ في
الزيت تتداوى به ، وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون
الأرض ، وقد عشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج ،
فتمر عيونها عليها . وكما عهد من الطير الذي يحتقن بماء
البحر عند انحباس طبعه ، وأمثال ذلك مما ذكر في مبادئ الطب .



وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله

بما ينفعه ويضره ، فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي
كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء ، بل ها
هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول
أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم ، وأقيستهم
من الأدوية القلبية ، والروحانية ، وقوة القلب ، واعتماده على الله ،
والتوكل عليه ، والإلتجاء إليه ، والإنطراح والإنكسار بين يديه ،
والتذلل له ، والصدقة ، والدعاء ، والتوبة ، والإستغفار ،
والإحسان إلى الخلق ، وإغاثة الملهوف ، والتفريج عن المكروب ،
فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها ،
فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ،
ولا تجربته ، ولا قياسه .


محمد قطيش 03-10-2010 09:33 PM

وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة ، ورأيناها تفعل
ما لا تفعل الأدوية الحسية ، بل تصير الأدوية الحسية عندها
بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء ، وهذا جار على قانون
الحكمة الإلهية ليس خارجاً عنها ، ولكن الأسباب متنوعة
فإن القلب متى اتصل برب العالمين ، وخالق الداء والدواء ،
ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى
غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ،
وقد علم أن الأرواح متى قويت ، وقويت النفس والطبيعة
تعاونا على دفع الداء وقهره ، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته
ونفسه ، وفرحت بقربها من بارئها ، وأنسها به ، وحبها له ،
وتنعمها بذكره ، وانصراف قواها كلها إليه ، وجمعها عليه ،
واستعانتها به ، وتوكلها عليه ، أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية ،
وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ، ولا ينكر هذا إلا أجهل
الناس ، وأغلظهم حجاباً ، وأكثفهم نفساً ، وأبعدهم عن الله وعن
حقيقة الإنسانية ، وسنذكر إن شاء الله السبب الذي به أزالت قراءة
الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ التي رقي بها ، فقام حتى كأن ما به قلبة .


فهذان نوعان من الطب النبوي ، نحن بحول الله نتكلم عليهما

بحسب الجهد والطاقة ، ومبلغ علومنا القاصرة ، ومعارفنا المتلاشية جداً ،
وبضاعتنا المزجاة ، ولكنا نستوهب من بيده الخير كله ، ونستمد
من فضله ، فإنه العزيز الوهاب .




روى مسلم في صحيحه : من حديث أبى ال**ير ، عن جابر بن عبد الله ،

عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لكل داء دواء ، فإذا
أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " .

وفي الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " .

وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بن علاقة ، عن أسامة بن

شريك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت الأعراب ،
فقالوا : يا رسول الله ! أنتداوى ؟ فقال : " نعم يا عباد الله تداووا ،
فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ،
قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم " .

وفي لفظ : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من

علمه وجهله من جهله " .

وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه :

" إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه
من علمه ، وجهله من جهله " وفي المسند و السنن :
عن أبي خزامة ، قال : قلت : يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها ،
ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله
شيئاً ؟ فقال : " هي من قدر الله " .



فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ،

وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن يكون قوله : " لكل داء دواء " ،
على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن
لطبيب أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ،
ولكن طوى علمها عن البشر ، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً ، لأنه لا
علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم
الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا
له ضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق
النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء ،
وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء متى جاوز درجة
الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء
آخر ، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ،
ومتى لم يقع المداوي على الدواء ، أو لم يقع الدواء على الداء ،
لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء ، لم ينفع ،
ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ،
أو ثم مانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ،
ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولا بد ، وهذا
أحسن المحملين في الحديث .

محمد قطيش 03-10-2010 09:34 PM


والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، لا سيما والداخل
في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ،
ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ،
فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في
الريح التي سلطها على قوم عاد : " تدمر كل شيء بأمر ربها
" [ الأحقاف : 25 ] أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح
أن تدمره ، ونظائره كثيرة .



ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ،
ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال
قدرة الرب تعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ،
والوحدانية ، والقهر ، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه ،
كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته .



وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ،
كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ،
بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات
لمسبباتها قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ،
كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها
أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي
حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ،
ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة
الأسباب ، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه
توكلاً ، ولا توكله عجزاً .



وفيها رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ،
فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ، فكذلك . وأيضاً ، فإن المرض
حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي
أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل
الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ،
وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال :
هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن
قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من قدره ، فلا سبيل إلى
الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش
والحر ، والبرد بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من
قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .



ويقال لمورد هذا السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من
الأسباب التي تجلب بها منفعة ، أو تدفع بها مضرة ، لأن المنفعة
والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن
سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم
، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة
المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا :
" لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " [ الأنعام : 148 ] ،
و " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا " [ النحل : 35 ] ،
فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل .

وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم تذكره ، هو أن
الله قدر كذا وكذا بهذا السبب ، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ،
وإلا فلا ، فإن قال : إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم يقدره
لي لم أتمكن من فعله .



قيل : فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك ، وولدك ، وأجيرك إذا
احتج به عليك فيما أمرته به ، ونهيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ،
فلا تلم من عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف عرضك ، وضيع حقوقك ،
وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبولاً منك في دفع حقوق الله عليك.
وقد روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يا رب
ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟ قال : مني. قال :
فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه .


محمد قطيش 03-10-2010 09:34 PM


وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل داء دواء" ، تقوية لنفس

المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ،
فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه
بروح الرجاء ، وبردت عنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ،
ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية ، وكان ذلك سببها
لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذه
الأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها ، فقهرت المرض ودفعته .


وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه .

وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلب
مرضاً إلا جعل له شفاء بضده ، فإن علمه صاحب الداء واستعمله ،
وصادف داء قلبه ، أبرأه بإذن الله تعالى .



في هديه صلى الله عليه وسلم في الإحتماء من التخم ، والزيادة في
الأكل على قدر الحاجة ، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب

في المسند وغيره : عنه صلى الله عليه وسلم

أنه قال : " ما ملأ آدمي
وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلاً ،
فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " .



الأمراض نوعان : أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في

البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية ، وهي الأمراض الأكثرية ،
وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول ، والزيادة في القدر
الذي يحتاج إليه البدن ، وتناول الأغذية القليلة النفع ، البطيئة الهضم ،
والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة ، فإذا ملأ الآدمي بطنه
من هذه الأغذية ، واعتاد ذلك ، أورثته أمراضاً متنوعة ، منها بطيء الزوال
وسريعه ، فإذا توسط في الغذاء ، وتناول منه قدر الحاجة ، وكان معتدلاً في
كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير .



ومراتب الغذاء ثلاثة : أحدها : مرتبة الحاجة .

والثانية : مرتبة الكفاية .
والثالثة : مرتبة الفضلة . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يكفيه
لقيمات يقمن صلبه ، فلا تسقط قوته ، ولا تضف معها ، فإن تجاوزها ،
فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء ، والثالث للنفس ، وهذا
من أنفع ما للبدن والقلب ، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ،
فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس ، وعرض له الكرب والتعب بحمله
بمنزلة حامل الحمل الثقيل ، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ، وكسل
الجوارح عن الطاعات ، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع .
فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن .



هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً . وأما إذا كان في الأحيان ، فلا بأس به ،

فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن ، حتى
قال : والذي بعثك بالحق ، لا أجد له مسلكاً . وأكل الصحابة
بحضرته مراراً حتى شبعوا .

والشبع المفرط يضعف القوى والبدن ، وإن أخصبه ، وإنما يقوى البدن

بحسب ما يقبل من الغذاء ، لا بحسب كثرته .

ولما كان في الإنسان جزء أرضي ، وجزء هوائي ، وجزء مائي ، قسم النبي

صلى الله عليه وسلم طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة .



فإن قيل : فأين حظ الجزء الناري ؟


قيل : هذه مسألة تكلم فيها الأطباء ، وقالوا : إن في البدن جزءاً

نارياً بالفعل ، وهو أحد أركانه واسطقساته .

ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم ، وقالوا : ليس

في البدن جزء ناري بالفعل ، واستدلوا بوجوه :

أحدها : أن ذلك الجزء الناري إما أن يدعى أنه نزل عن الأثير ،

واختلط بهذه الأجزاء المائية والأرضية ، أو يقال : إنه تولد فيها
وتكون ، والأول مستبعد لوجهين ، أحدهما : أن النار بالطبع صاعدة ،
فلو نزلت ، لكانت بقاسر من مركزها إلى هذا العالم . الثاني : أن تلك
الأجزاء النارية لا بد في نزولها أن تعبر على كرة الزمهرير التي هي في
غاية البرد ، ونحن نشاهد في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفئ بالماء
القليل ، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورها بكرة الزمهرير التي هي
في غاية البرد ، ونهاية العظم أولى بالانطفاء .



وأما الثاني : - وهو أن يقال : إنها تكونت ها هنا - فهو أبعد وأبعد ،

لأن الجسم الذي صار ناراً بعد أن لم يكن كذلك ، قد كان قبل صيرورته
إما أرضاً ، وإما ماء ، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة ،
وهذا الذي قد صار ناراً أولاً ، كان مختلطاً بأحد هذه الأجسام ،
ومتصلاً بها ، والجسم الذي لا يكون ناراً إذا اختلط بأجسام عظيمة
ليست بنار ولا واحد منها ، لا يكون مستعداً لأن ينقلب ناراً لأنه في
نفسه ليس بنار ، والأجسام المختلطة باردة ، فكيف يكون مستعداً لانقلابه ناراً ؟

فإن قلتم : لم لا تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذه الأجسام ،

وتجعلها ناراً بسبب مخالطتها إياها ؟

قلنا : الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلام في الأول ،

فإن قلتم : إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار ،
وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة ، ظهرت النار منها ، وإذا ضربنا
الحجر على الحديد ، ظهرت النار ، وكل هذه النارية حدثت عند الإختلاط ،
وذلك يبطل ما قررتموه في القسم الأول أيضاً .



قال المنكرون : نحن لا ننكر أن تكون المصاكة الشديدة محدثة للنار ،

كما في ضرب الحجارة على الحديد ، أو تكون قوة تسخين الشمس
محدثة للنار ، كما في البلورة ، لكنا نستبعد ذلك جداً في أجرام
النبات والحيوان ، إذ ليس في أجرامها من الإصطكاك ما يوجب
حدوث النار ، ولا فيها من الصفاء والصقال ما يبلغ إلى حد البلورة ،
كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها ، فلا تتولد النار

البتة ، فالشعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولد النار ؟




الوجه الثاني : في أصل المسألة : أن الأطباء مجمعون على أن

الشراب العتيق في غاية السخونة بالطبع ، فلو كانت تلك السخونة
بسبب الأجزاء النارية ، لكانت محالاً إذ تلك الأجزاء النارية مع
حقارتها كيف يعقل بقاؤها في الأجزاء المائية الغالبة دهراً طويلاً ،
بحيث لا تنطفئ مع أنا نرى النار العظيمة تطفأ بالماء القليل .

محمد قطيش 03-10-2010 09:35 PM


الوجه الثالث : أنه لو كان في الحيوان والنبات جزء ناري بالفعل ،

لكان مغلوباً بالجزء المائي الذي فيه ، وكان الجزء الناري مقهوراً به ،
وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي انقلاب طبيعة
المغلوب إلى طبيعة الغالب ، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء
النارية القليلة جداً إلى طبيعة الماء الذي هو ضد النار



الوجه الرابع : أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلق الإنسان في كتابه في

مواضع متعددة ، يخبر في بعضها أنه خلقه من ماء ، وفي بعضها
أنه خلقه من تراب ، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو
الطين ، وفي بعضها أنه خلقه من صلصال كالفخار ، وهو الطين الذي
ضربته الشمس والريح حتى صار صلصالاً كالفخار ، ولم يخبر في
موضع واحد أنه خلقه من نار ، بل جعل ذلك خاصية إبليس .
وثبت في صحيح مسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ،
وخلق آدم مما وصف لكم " ، وهذا صريح في أنه خلق مما وصفه الله في
كتابه فقط ، ولم يصف لنا سبحانه أنه خلقه من نار ،
ولا أن في مادته شيئاً من النار .



الوجه الخامس : أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدون من الحرارة

في أبدان الحيوان ، وهي دليل على الأجزاء النارية ، وهذا لا يدل ،
فإن أسباب الحرارة أعم من النار ، فإنها تكون عن النار تارة ،
وعن الحركة أخرى ، وعن انعكاس الأشعة ، وعن سخونة الهواء ،
وعن مجاورة النار ، وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضاً ،
وتكون عن أسباب أخر ، فلا يلزم من الحرارة النار .



قال أصحاب النار : من المعلوم أن التراب والماء إذا اختلطا فلا بد

لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما ، وإلا كان كل منهما
غير ممازج للآخر ، ولا متحداً به ، وكذلك إذا ألقينا البذر في
الطين بحيث لا يصل إليه الهواء ولا الشمس فسد ، فلا يخلو ،
إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أو لا ، فإن
حصل ، فهو الجزء الناري ، وإن لم يحصل ، لم يكن المركب مسخناً
بطبعه ، بل إن سخن كان التسخين عرضياً ، فإذا زال التسخين
العرضي ، لم يكن الشيء حاراً في طبعه ، ولا في كيفيته ،
وكان بارداً مطلقاً ، لكن من الأغذية والأدوية ما يكون حاراً بالطبع ،
فعلمنا أن حرارتها إنما كانت ، لأن فيها جوهراً نارياً .



وأيضاً فلو لم يكن في البدن جزء مسخن لوجب أن يكون في نهاية

البرد ، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد ، وكانت خالية عن
المعاون والمعارض ، وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية ،
ولو كان كذلك لما حصل لها الإحساس بالبرد ، لأن البرد الواصل
إليه إذا كان في الغاية كان مثله ، والشئ لا ينفعل عن مثله ،
وإذا لم ينفعل عنه لم يحس به ، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه ،
وإن كان دونه فعدم الإنفعال يكون أولى ، فلو لم يكن في البدن جزء
مسخن بالطبع لما انفعل عن البرد ، ولا تألم به . قالوا : وأدلتكم
إنما تبطل قول من يقول : الأجزاء النارية باقية في هذه المركبات
على حالها ، وطبيعتها النارية ، ونحن لا نقول بذلك ،
بل نقول : إن صورتها النوعية تفسد عند الإمتزاج .



قال الآخرون : لم لا يجوز أن يقال : إن الأرض والماء والهواء

إذا اختلطت ، فالحرارة المنضجة الطابخة لها هي حرارة الشمس
وسائر الكواكب ، ثم ذلك المركب عند كمال نضجه مستعد لقبول
الهيئة التركيبية بواسطة السخونة نباتاً كان أو حيواناً أو معدناً ،
وما المانع أن تلك السخونة والحرارة التي في المركبات هي بسبب
خواص وقوى يحدثها الله تعالى عند ذلك الإمتزاج لا من أجزاء
نارية بالفعل ؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتة ،
وقد اعترف جماعة من فضلاء الأطباء بذلك .



وأما حديث إحساس البدن بالبرد ، فنقول : هذا يدل على أن في

البدن حرارة وتسخيناً ، ومن ينكر ذلك ؟ لكن ما الدليل على
انحصار المسخن في النار ، فإنه وإن كان كل نار مسخناً ، فإن
هذه القضية لا تنعكس كلية ، بل عكسها الصادق بعض المسخن نار .

وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية ، فأكثر الأطباء على بقاء

صورتها النوعية ، والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده
أفضل متأخريكم في كتابه المسمى بالشفا ، وبرهن على بقاء
الأركان أجمع على طبائعها في المركبات . وبالله التوفيق .



وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع . . .


أحدها : بالأدوية الطبيعية .


والثاني : بالأدوية الإلهية .


والثالث : بالمركب من الأمرين .


ونحن نذكر الأنواع الثلاثة من هديه صلى الله عليه وسلم ، فنبدأ

بذكر الأدوية الطبيعية التي وصفها واستعملها ،
ثم نذكر الأدوية الإلهية ، ثم المركبة .

وهذا إنما نشير إليه إشارة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما

بعث هادياً ، وداعياً إلى الله ، وإلى جنته ، ومعرفاً بالله ، ومبيناً
للأمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها ، ومواقع سخطه وناهياً لهم عنها ،
ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم ،

وأخبار تخليق العالم ، وأمر المبدأ والمعاد ، وكيفية

شقاوة النفوس وسعادتها ، وأسباب ذلك .

وأما طب الأبدان : فجاء من تكميل شريعته ، ومقصوداً لغيره ،

بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه ، فإذا قدر على الإستغناء عنه،
كان صرف الهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح ، وحفظ
صحتها ، ودفع أسقامها ، وحميتها مما يفسدها هو المقصود
بالقصد الأول ، وإصلاح البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع ،
وفساد البدن مع إصلاح القلب مضرته يسيرة جداً ، وهي
مضرة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة ، وبالله التوفيق .

محمد قطيش 03-10-2010 09:38 PM

في هديه في علاج الحمى

ثبت في الصحيحين : عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبى صلى
الله عليه وسلم قال : " إنما الحمى أو شدة
الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " .

وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ، ورأوه
منافياً لدواء الحمى وعلاجها ، ونحن نبين بحول الله وقوته وجهه
وفقهه ، فنقول : خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان :
عام لأهل الأرض ، وخاص ببعضهم ، فالأول : كعامة خطابه ،
والثاني : كقوله : " لا تستقبلوا القبلة بغائط ، ولا بول ،
ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا " فهذا ليس بخطاب
لأهل المشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة
وما على سمتها ، كالشام وغيرها . وكذلك قوله :
" ما بين المشرق والمغرب قبلة " .



وإذا عرف هذا ، فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز ،
وما والاهم ، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع
الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ،
وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً ، فإن الحمى حرارة
غريبة تشتعل في القلب ، وتنبث منه بتوسط الروح والدم في
الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر
بالأفعال الطبيعية ، وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية : وهي
الحادثة إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابة
حرارة الشمس ، أو القيظ الشديد ونحو ذلك .



ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وهي لا تكون إلا في مادة أولى ،
ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت
حمى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ،
وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف :
صفراوية ، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها
بالأعضاء الصلبة الأصلية ، سميت حمى دق ،
وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة .

وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء ، وكثيراً
ما يكون حمى يوم ، وحمى العفن سبباً لإنضاج مواد غليظة
لم تكن تنضج بدونها ، وسبباً لتفتح سدد لم
يكن تصل إليها الأدوية المفتحة .



وأما الرمد الحديث والمتقادم ، فإنها تبرئ أكثر أنواعه برءاً
عجيباً سريعاً ، وتنفع من الفالج ، واللقوة ، والتشنج الإمتلائي ،
وكثيراً من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .

وقال لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيراً من الأمراض نستبشر
فيها بالحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ، فتكون الحمى
فيه أنفع من شرب الدواء بكثير ، فإنها تنضج من الأخلاط
والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن ، فإذا أنضجتها صادفها الدواء
متهيئة للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سبباً للشفاء .



وإذا عرف هذا ، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات
العرضية ، فإنها تسكن على المكان بالإنغماس في الماء البارد،
وسقي الماء البارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى
علاج آخر ، فإنها مجرد كيفية حارة متعلقة بالروح ، فيكفي في
زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها ، وتخمد لهبها
من غير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .



ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات ، وقد اعترف فاضل
الأطباء جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة
العاشرة من كتاب حيلة البرء : ولو أن رجلاً شاباً حسن اللحم ،
خصب البدن في وقت القيظ ، وفي وقت منتهى الحمى ، وليس
في أحشائه ورم ، استحم بماء بارد أو سبح فيه ،
لانتفع بذلك . قال : ونحن نأمر بذلك لا توقف .



وقال الرازي في كتابه الكبير : إذا كانت القوة قوية ، والحمى ،
حادة جداً ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ، ينفع
الماء البارد شرباً ، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار ،
وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج ، فليؤذن فيه .

وقوله : " الحمى من فيح جهنم " ، هو شدة لهبها ، وانتشارها ،
ونظيره : قوله : " شدة الحر من فيح جهنم " وفيه وجهان .

محمد قطيش 03-10-2010 09:39 PM

أحدهما : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل بها
العباد عليها ، ويعتبروا بها ، ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها
بأسباب تقتضيها ، كما أن الروح والفرح و السرور واللذة
من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار
عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها .

والثاني : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه شدة الحمى ولهبها

بفيح جهنم ، وشبه شدة الحر به أيضاً تنبيهاً للنفوس على شدة
عذاب النار ، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة
بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها .



وقوله : فأبردوها ، روي بوجهين : بقطع الهمزة وفتحها ،

رباعي : من أبرد الشئ : إذا صيره بارداً ،
مثل أسخنه : إذا صيره سخناً .

والثاني : بهمزة الوصل مضمومة من برد الشئ يبرده ،

وهو أفصح لغة واستعمالاً ، والرباعي لغة رديئة عندهم قال :

إذا وجدت لهيب الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد


هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار علي الأحشاء تتقد


وقوله : بالماء ، فيه قولان . أحدهما : أنه كل ماء وهو الصحيح .

والثاني : أنه ماء زمزم ، واحتج أصحاب هذا القول بما رواه
البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي ،
قال : كنت أجالس ابن عباس بمكة ، فأخذتني الحمى ، فقال :
أبردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، أو قال: بماء زمزم
" . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جزم به لكان أمراً لأهل مكة
بماء زمزم ، إذ هو متيسر عندهم ، ولغيرهم بما عندهم من الماء .

ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ، هل المراد به الصدقة

بالماء ، أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ،
وأظن أن الذي حمل من قال : المراد الصدقة به أنه أشكل عليه
استعمال الماء البارد في الحمى ، ولم يفهم وجهه مع أن لقوله
وجهاً حسناً ، وهو أن الجزاء من جنس العمل ، فكما أخمد
لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد ، أخمد الله لهيب الحمى
عنه جزاء وفاقاً ، ولكن هذا يؤخذ من فقه
الحديث وإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .



وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنس يرفعه :

" إذا حم أحدكم ، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر " .

وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة يرفعه :

" الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد " .

وفي المسند وغيره ، من حديث الحسن ، عن سمرة

يرفعه : " الحمى قطعة من النار ، فأبردوها عنكم بالماء البارد "
، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا
بقربة من ماء ، فأفرغها على رأسه فاغتسل .



وفي السنن : من حديث أبي هريرة قال : ذكرت الحمى عند

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبها رجل ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبها فإنها
تنفي الذنوب ، كما تنفي النار خبث الحديد " .

لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول

الأغذية والأدوية النافعة ، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن ،
ونفي أخباثه وفضوله ، وتصفيته من مواده الرديئة ،
وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفي خبثه ،
وتصفية جوهره ، كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي
تصفي جوهر الحديد ، وهذا القدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان .

محمد قطيش 03-10-2010 09:39 PM

وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجها خبائثه ،
فأمر يعلمه أطباء القلوب ، ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن مرض
القلب إذا صار مأيوساً من برئه ، لم ينفع فيه هذا العلاج .

فالحمى تنفع البدن والقلب ، وما كان بهذه المثابة فسبه ظلم
وعدوان ، وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها :

زارت مكفرة الذنــوب وودعــت تبــاً لهــا مــن زائــر ومودع

قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي

فقلت : تباً له إذ سب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه ،
ولو قال :

زارت مكفــــرة الذنوب لصبهــا أهلاً بهـــا مــــن زائر ومودع

قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت : أن لا تقلعي

لكان أولى به ، ولأقلعت عنه ، فأقلعت عني سريعاً . وقد
روي في أثر لا أعرف حاله حمى يوم كفارة سنة ، وفيه
قولان أحدهما : أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ،
وعدتها ثلاثمائة وستون مفصلاً ، فتكفر عنه - بعدد كل مفصل
- ذنوب يوم. والثاني : أنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول
بالكلية إلى سنة ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم :
" من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " :
إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد ،
وعروقه ، وأعضائه أربعين يوماً والله أعلم .

قال أبو هريرة : ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى ،
لأنها تدخل في كل عضو مني ، وإن الله
سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر .

وقد روى الترمذي في جامعه من حديث رافع بن خديج يرفعه :
" إذا أصابت أحدكم الحمى - وإن الحمى قطعة من النار -
فليطفئها بالماء البارد ويستقبل نهراً جارياً ، فليستقبل جرية
الماء بعد الفجر وقبل طلوع الشمس ، وليقل : بسم الله اللهم
اشف عبدك ، وصدق رسولك ، وينغمس فيه ثلاث غمسات
ثلاثة أيام ، فان برئ ، والإ ففى خمس ، فإن لم يبرأ في خمس ،
فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله " .



قلت : وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارة على
الشرائط التي تقدمت ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون
لبعده عن ملاقاة الشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت لما
أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمع فيه قوة
القوى ، وقوة الدواء ، وهو الماء البارد على حرارة الحمى
العرضية ، أو الغب الخالصة ، أعني التي لا ورم معها ، ولا
شئ من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة ، فيطفئها بإذن الله ،
لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي الأيام التي
يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيراً ، سيما في البلاد
المذكورة لرقة أخلاط سكانها ، وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع .


محمد قطيش 03-10-2010 09:40 PM

في هديه في علاج استطلاق البطن

في الصحيحين : من حديث أبي المتوكل ، عن أبي

سعيد الخدري ، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال : إن أخي يشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه ، فقال :
اسقه عسلاً ، فذهب ثم رجع ، فقال : قد سقيته ، فلم يغن
عنه شيئاً. وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقاً مرتين أو ثلاثاً ،
كل ذلك يقول له : اسقه عسلاً ، فقال له في الثالثة
أو الرابعة : صدق الله ، وكذب بطن أخيك " .



وفي صحيح مسلم في لفظ له : " إن أخي عرب بطنه " ،

أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ،
والاسم العرب بفتح الراء ، والذرب أيضاً .

والعسل فيه منافع عظيمة ، فإنه جلاء للأوساخ التي في

العروق والأمعاء وغيرها ، محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً ،
نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ، ومن كان مزاجه بارداً رطباً ،
وهو مغذ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه ،
مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد والصدر ، مدر للبول ،
موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حاراً
بدهن الورد ، نفع من نهش

الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجاً بماء نفع من

عضة الكلب الكلب ، وأكل الفطر القتال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري ،
حفظ طراوته ثلاثة أشهر ، وكذلك إن جعل فيه القثاء ، والخيار ،
والقرع ، والباذنجان ، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر ،
ويحفظ جثة الموتى ، ويسمى الحافظ الأمين . وإذا لطخ به
البدن المقمل والشعر ، قتل قمله وصئبانه ، وطول الشعر ، وحسنه ،
ونعمه ، وإن اكتحل به ، جلا ظلمة البصر ، وإن استن به ، بيض
الأسنان وصقلها ، وحفظ صحتها ، وصحة اللثة ، ويفتح أفواه العروق ،
ويدر الطمث ، ولعقه على الريق يذهب البلغم ، ويغسل خمل المعدة ،
ويدفع الفضلات عنها ، ويسخنها تسخيناً معتدلاً ، ويفتح سددها ،
ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو أقل ضرراً
لسدد الكبد والطحال من كل حلو .



وهو مع هذا كله مأمون الغائلة ، قليل المضار ، مضر بالعرض

للصفراويين ، ودفعها بالخل ونحوه ، فيعود حينئذ نافعاً له جداً .

وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ،

وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات ،
فما خلق لنا شئ فى في معناه أفضل منه ، ولا مثله ، ولا قريباً منه ،
ولم يكن معول القدماء إلا عليه ، وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر
البتة ، ولا يعرفونه ، فإنه حديث العهد حدث قريباً ، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق ، وفي ذلك سر بديع في حفظ
الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل ، وسنذكر ذلك
إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة .



وفي سنن ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبي هريرة " من لعق

العسل ثلاث غدوات كل شهر ، لم يصبه عظيم من البلاء " ،
وفي أثر آخر : " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " فجمع
بين الطب البشري والإلهي ، وبين طب الأبدان ،
وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي .

محمد قطيش 03-10-2010 09:40 PM

إذا عرف هذا ، فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل ،
كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب
العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن
العسل فيه جلاء ، ودفع للفضول ، وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة ،
تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها ، فإن المعدة لها خمل كخمل
القطيفة ، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة ، أفسدتها وأفسدت الغذاء
، فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط ، والعسل جلاء ، والعسل
من أحسن ما عولج به هذا الداء ، لا سيما إن مزج بالماء الحار .

وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو أن الدواء يجب

أن يكون له مقدار ، وكمية بحسب حال الداء ، إن قصر عنه ،
لم يزله بالكلية ، وإن جاوزه . أوهى القوى ، فأحدث ضرراً آخر ،
فلما أمره أن يسقيه العسل ، سقاه مقداراً لا يفي بمقاومة الداء ،
ولا يبلغ الغرض ، فلما أخبره ، علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار
الحاجة ، فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ، فلما
تكررت الشربات بحسب مادة الداء ، برأ ، بإذن الله ، واعتبار
مقادير الأدوية ، وكيفياتها ، ومقدار قوة
المرض مرض من أكبر قواعد الطب .



وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله وكذب بطن أخيك

" ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليس
لقصور الدواء في نفسه ، ولكن لكذب البطن ، و كثرة
المادة الفاسدة فيه ، فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة .

وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء ، فإن طب النبي

صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي ، صادر عن الوحي ،
ومشكاة النبوة ، وكمال العقل . وطب غيره ، أكثره حدس وظنون ،
وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة ،
فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول ، واعتقاد الشفاء به ، وكمال
التلقي له بالإيمان والإذعان ، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في
الصدور - إن لم يتلق هذا التلقي - لم يحصل به شفاء الصدور
من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقين إلا
رجساً إلى رجسهم ، ومرضاً
إلى مرضهم ، وأين يقع طب الأبدان منه ، فطب النبوة لا يناسب
إلا الأبدان الطبية ، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح
الطبية والقلوب الحية ، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم
عن طب الإستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع ، وليس ذلك لقصور
فى الدواء ، ولكن لخبث الطبيعة ، وفساد المحل ،
وعدم قبوله ، والله الموفق .



***




في هديه في داء الإستسقاء وعلاجه


في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك ، قال : قدم رهط من

عرينة وعكل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتووا المدينة ،
فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لو خرجتم إلى
إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها ، ففعلوا ، فلما صحوا ،
عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم ، واستاقوا الإبل ، وحاربو الله ورسوله ،
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، فأخذوا ، فقطع
أيديهم ، وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في الشمس حتى ماتوا " .

والدليل على أن هذا المرض كان الإستسقاء ، ما رواه مسلم في

صحيحه في هذا الحديث أنهم قالوا : إنا اجتوينا المدينة ، فعظمت
بطوننا ، وارتهشت أعضاؤنا ، وذكر تمام الحديث . . .



محمد قطيش 03-10-2010 09:41 PM

قال الرازي : لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد ، وفساد المزاج ،
وقال الإسرائيلي : لبن اللقاح أرق الألبان ، وأكثرها مائية وحدة ،
وأقلها غذاء ، فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول ، وإطلاق
البطن ، وتفتيح السدد ، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه
لإفراط حرارة حيوانية بالطبع ، ولذلك صار أخص الألبان بتطرية
الكبد ، وتفتيح سددها ، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثاً ،
والنفع من الإستسقاء خاصة إذا استعمل لحرارته التي يخرج
بها من الضرع مع بول الفصيل ، وهو حار كما يخرج من الحيوان ،
فإن ذلك مما يزيد في ملوحته ، وتقطيعه الفضول ، وإطلاقه البطن ،
فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن ، وجب أن يطلق بدواء مسهل .



قال صاحب القانون : ولا يلتفت إلى ما يقال : من أن طبيعة اللبن

مضادة لعلاج الإستسقاء . قال : واعلم أن لبن النوق دواء نافع
لما فيه من الجلاء برفق ، وما فيه من خاصية ، وأن هذا اللبن
شديد المنفعة ، فلو أن إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به ،
وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب ، فقادتهم الضرورة
إلى ذلك ، فعوفوا . وأنفع الأبوال : بول الجمل
الأعرابي ، وهو النجيب ، انتهى .

وفي القصة : دليل على التداوي والتطبب ، وعلى طهارة بول مأكول

اللحم ، فإن التداوي بالمحرمات غير جائز ، ولم يؤمروا مع قرب
عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم ، وما أصابته ثيابهم من
أبوالها للصلاة ، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة .

وعلى مقاتلة الجاني بمثل ما فعل ، فإن هؤلاء قتلوا الراعي ،

وسملوا عينيه ، ثبت ذلك في صحيح مسلم .

وعلى قتل الجماعة ، وأخذ أطرافهم بالواحد .


وعلى أنه إذا اجتمع في حق الجاني حد وقصاص استوفيا معاً ، فإن

النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم حداً
لله على حرابهم ، وقتلهم لقتلهم الراعي .

وعلى أن المحارب إذا أخذ المال ، وقتل ،

قطعت يده ورجله في مقام واحد وقتل .

وعلى أن الجنايات إذا تعددت ، تغلظت عقوباتها ، فإن هؤلاء ارتدوا

بعد إسلامهم ، وقتلوا النفس ، ومثلوا بالمقتول ،
وأخذوا المال ، وجاهروا بالمحاربة .

وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشرهم ، فإنه من المعلوم

أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه ،
ولا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وعلى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حداً ، فلا يسقطه العفو ،

ولا تعتبر فيه المكافأة ، وهذا مذهب أهل المدينة ، وأحد
الوجهين فى مذهب أحمد ، اختاره شيخنا ، وأفتى به .



***






في هديه في العلاج بشرب العسل ، والحجامة ، والكي


في صحيح البخاري : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن

النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الشفاء في ثلاث : شربة عسل ،
وشرطة محجم ، وكية نار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي " .

قال أبو عبد الله المازري : الأمراض الإمتلائية : إما أن تكون دموية ،

أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية . فإن كانت دموية ، فشفاؤها
إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية ، فشفاؤها بالإسهال
الذي يليق بكل خلط منها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم بالعسل على
المسهلات ، وبالحجامة على الفصد ، وقد قال بعض الناس :
إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم . فإذا أعيا الدواء ،
فآخر الطب الكي ، فذكره صلى الله عليه وسلم في الأدوية ،
لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع
الدواء المشروب . وقوله : وأنا أنهى أمتي عن الكي ،
وفي الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي ، إشارة إلى أن
يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي
به لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع
ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ، انتهى كلامه .

وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية : إما أن تكون بمادة ،

أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ،
أو يابسة ، أو ما تركب منها ، وهذه الكيفيات الأربع ، منها
كيفيتان فاعلتان : وهما الحرارة والبرودة ، وكيفيتان منفعلتان ،
وهما الرطوبة واليبوسة ، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين
الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها ، وكذلك كان لكل
واحد من الأخلاط الموجودة في البدن ،
وسائر المركبات كيفيتان : فاعلة ومنفعلة .


محمد قطيش 03-10-2010 09:42 PM

فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة
لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة ، فجاء
كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة
والباردة على طريق التمثيل ، فإن كان المرض حاراً ،
عالجناه بإخراج الدم ، بالفصد كان أو بالحجامة ، لأن في
ذلك استفراغاً للمادة ، وتبريداً للمزاج . وإن كان بارداً
عالجناه بالتسخين ، وذلك موجود في العسل ، فإن كان
يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة ، فالعسل
أيضاً يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج ، والتقطيع ،
والتلطيف، والجلاء، والتليين ، فيحصل بذلك
استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية .



وأما الكي : فلأن كل واحد من الأمراض المادية ،

إما أن يكون حاداً فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين ،
فلا يحتاج إليه فيه ، وإما أن يكون مزمناً ، وأفضل علاجه
بعد الإستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي ،
لأنه لا يكون مزمناً إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت
في العضو ، وأفسدت مزاجه ، وأحالت جميع ما يصل إليه
إلى مشابهة جوهرها ، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكي
تلك المادة من ذلك المكان الذي هو فيه
بإفناء الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة .

فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية

جميعها ، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله
صلى الله عليه وسلم : " إن شدة الحمى
من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " .



***






وأما الحجامة ، ففي سنن ابن ماجه من حديث جبارة بن

المغلس ، - وهو ضعيف - عن كثير بن سليم ، قال : سمعت
أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا :
يا محمد ! مر أمتك بالحجامة " .

وروى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس هذا

الحديث : وقال فيه : "عليك بالحجامة يا محمد " .

وفي الصحيحين : من حديث طاووس ، عن ابن عباس ،

أن النبي صلى الله عليه وسلم : " احتجم وأعطى الحجام أجره " .

وفي الصحيحين أيضاً ، عن حميد الطويل ، عن أنس ،

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة ، فأمر
له بصاعين من طعام ، وكلم مواليه ، فخففوا
عنه من ضريبته ، وقال : " خير ما تداويتم به الحجامة " .



وفي جامع الترمذي عن عباد بن منصور ، قال : سمعت

عكرمة يقول : كان لابن عباس غلمة ثلاثة حجامون ،
فكان اثنان يغلان عليه ، وعلى أهله ، وواحد لحجمه ،
وحجم أهله . قال : وقال ابن عباس : قال نبي الله صلى
الله عليه وسلم : " نعم العبد الحجام يذهب بالدم ، ويخف
الصلب ، ويجلو البصر " ، وقال : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حيث عرج به ، ما مر على ملإ من الملائكه
إلا قالوا : " عليك بالحجامة " ، وقال : " إن خير ما
تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ، ويوم تسع عشرة ،
ويوم إحدى وعشرين " ، وقال : " إن خير ما تداويتم
به السعوط واللدود والحجامة والمشي " ، وإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لد فقال: " من لدني ؟ فكلهم أمسكوا ،
فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا العباس
" . قال : هذا حديث غريب ، ورواه ابن ماجه .



محمد قطيش 03-10-2010 09:42 PM


وأما منافع الحجامة : فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد ،

والفصد لأعماق البدن أفضل ، والحجامة
تستخرج الدم من نواحي الجلد .

قلت : والتحقيق في أمرها وأمر الفصد ، أنهما يختلفان باختلاف

الزمان ، والمكان ، والأسنان ، والأمزجة ،
فالبلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ، والأمزجة
الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج
الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير ، فإن الدم ينضج
ويرق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل ، فتخرج الحجامة ما
لا يخرجه الفصد ، ولذلك كانت أنفع للصبيان من الفصد ،
ولمن لا يقوى على الفصد ، وقد نص الأطباء على أن البلاد
الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد ، وتستحب
في وسط الشهر ، وبعد وسطه . وبالجملة ، في الربع الثالث
من أرباع الشهر ، لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج
وتبيغ ، وفي آخره يكون قد سكن .
وأما في وسطه وبعيده ، فيكون في نهاية التزيد .



قال صاحب القانون : ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول

الشهر ، لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ، ولا في
آخره لأنها تكون قد نقصت ، بل في وسط الشهر حين تكون
الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزيد النور في جرم القمر .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
" خير ما تداويتم به الحجامة والفصد " .
وفي حديث : " خير الدواء الحجامة والفصد " . انتهى .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " خير ما تداويتم به الحجامة

" إشارة إلى أهل الحجاز ، والبلاد الحارة ، لأن دماءهم
رقيقة ، وهي أميل الى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة
الخارجة لها إلى سطح الجسد ، واجتماعها
في نواحي الجلد ، ولأن مسام أبدانهم واسعة ،
وقواهم متخلخلة ، ففي الفصد لهم خطر ،
والحجامة تفرق اتصالي إرادي يتبعه استفراغ
كلي من العروق ، وخاصة العروق التي لا تفصد كثيراً ،
ولفصد كل واحد منها نفع خاص ، ففصد الباسليق : ينفع
من حرارة الكبد والطحال والأورام الكائنة فيهما من الدم ،
وينفع من أورام الرئة ، وينفع من الشوصة وذات الجنب
وجميع الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك .

وفصد الأكحل : ينفع من الإمتلاء العارض في جميع

البدن إذا كان دموياً ، وكذلك إذا كان الدم قد فسد في جميع البدن .

وفصد القيفال : ينفع من العلل العارضة

في الرأس والرقبة من كثرة الدم أو فساده .

وفصد الودجين : ينفع من وجع

الطحال ، والربو ، والبهر ، ووجع الجبين .

والحجامة على الكاهل :

تنفع من وجع المنكب والحلق .

والحجامة على الأخدعين ، تنفع من أمراض الرأس ،

وأجزائه ، كالوجه ، والأسنان ، والأذنين ، والعينين ،
والأنف ، والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم
أو فساده ، أو عنهما جميعاً . قال أنس رضي الله تعالى عنه :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل .



وفي الصحيحين عنه : كان رسول الله صلى الله عليه

وسلم يحتجم ثلاثاً : واحدة على كاهله ، واثنتين على الأخدعين .

وفي الصحيح : عنه ، أنه

احتجم وهو محرم في رأسه لصداع كان به .

وفي سنن ابن ماجه عن علي ، نزل جبريل

على النبي صلى الله عليه وسلم بحجامة الأخدعين والكاهل .

وفي سنن أبي داود من حديث جابر ، أن النبي

صلى الله عليه وسلم : " احتجم في وركه من وثء كان به " .



***

محمد قطيش 03-10-2010 09:46 PM



واختلف الأطباء فى الحجامة على نقرة القفا ، وهى القمحدوة .

وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي حديثاً مرفوعاً
" عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة ،
فإنها تشفي من خمسة أدواء " ، ذكر منها الجذام .

وفي حديث آخر :
" عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة ،
فإنها شفاء من اثنين وسبعين داء " .

فطائفة منهم استحسنته وقالت : إنها تنفع من جحظ العين ،
والنتوء العارض فيها ، وكثير من أمراضها ، ومن ثقل
الحاجبين والجفن ، وتنفع من جربه . وروي أن أحمد بن
حنبل احتاج إليها ، فاحتجم في جانبي قفاه ، ولم يحتجم في
النقرة ، وممن كرهها صاحب القانون وقال : إنها تورث
النسيان حقاً ، كما قال سيدنا ومولانا وصاحب شريعتنا
محمد صلى الله عليه وسلم ، ، فإن مؤخر
الدماغ موضع الحفط ، والحجامة تذهبه ، انتهى كلامه .



ورد عليه آخرون ، وقالوا : الحديث لا يثبت ، وإن ثبث
فالحجامة ، إنما تضعف مؤخر الدماغ إذا استعملت
لغير ضرورة ، فأما إذا استعملت لغلبة الدم عليه ،
فإنها نافعة له طباً وشرعاً ، فقد ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه احتجم في عدة أماكن من قفاه
بحسب ما اقتضاه الحال في ذلك ، واحتجم
في غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجته .


***



والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم ،
إذا استعملت في وقتها ، وتنقي الرأس والفكين ، والحجامة
على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن ، وهو عرق
عظيم عند الكعب ، وتنفع من قروح الفخذين والساقين ،
وانقطاع الطمث ، والحكة العارضة في الإنثيين ، والحجامة
في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ ،
وجربه وبثوره ، ومن النقرس والبواسير ، والفيل وحكة الظهر .


***


في هديه في أوقات الحجامة

روى الترمذي في جامعه : من حديث ابن عباس يرفعه :
" إن خير ما تحتجمون في يوم سابع عشرة ،
أو تاسع عشرة ، ويوم إحدى وعشرين " .

وفيه "عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في
الأخدعين والكاهل ، وكان يحتجم لسبعة عشر ،
وتسعة عشر ، وفي إحدى وعشرين " .

وفي سنن ابن ماجه عن أنس مرفوعاً : " من أراد الحجامة
فليتحر سبعة عشر ، أو تسعة عشر ،
أو إحدى وعشرين ، لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله " .

وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً :
" من احتجم لسبع عشرة ، أو تسع عشرة ، أو إحدى
وعشرين ، كانت شفاء من كل داء " ،
وهذا معناه من كل داء سببه غلبة الدم .

وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء ، أن الحجامة
في النصف الثاني ، وما يليه من الربع الثالث من أرباعه
أنفع من أوله وآخره ، وإذا استعملت عند
الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره .

قال الخلال : أخبرني عصمة بن عصام ، قال : حدثنا حنبل ،
قال : كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم
أي وقت هاج به الدم ، وأي ساعة كانت .

محمد قطيش 03-10-2010 09:47 PM

وقال صاحب القانون : أوقاتها في النهار : الساعة الثانية
أو الثالثة ، ويجب توقيها بعد الحمام إلا فيمن دمه
غليط ، فيجب أن يستحم ، ثم يستجم ساعة ، ثم يحتجم ، انتهى .

وتكره عندهم الحجامة على الشبع ، فإنها ربما أورثت

سدداً وأمراضاً رديئة ، لا سيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً .
وفي أثر : " الحجامة على الريق دواء ،
وعلى الشبع داء ، وفي سبعة عشر من الشهر شفاء " .

واختيار هذه الأوقات للحجامة ، فيما إذا كانت على

سبيل الإحتياط والتحرز من الأذى ، وحفظاً للصحة .
وأما في مداواة الأمراض ، فحيثما وجد الإحتياح إليها
وجب استعمالها . وفي قوله : " لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله
" دلالة على ذلك ، يعني لئلا يتبيغ ، فحذف حرف الجر مع
( أن ) ، ثم حذفت ( أن ) . والتبيغ : الهيج ، وهو مقلوب البغي ،
وهو بمعناه ، فإنه بغي الدم وهيجانه . وقد تقدم
أن الإمام أحمد كان يحتجم أي وقت احتاج من الشهر .



***






وأما اختيار أيام الأسبوع للحجامة ، فقال الخلال في جامعه :

أخبرنا حرب بن إسماعيل ، قال : قلت لأحمد : تكره الحجامة
في شء من الأيام ؟ قال : قد جاء في الأربعاء والسبت .

وفيه : عن الحسين بن حسان ، أنه سأل أبا عبد الله عن الحجامة :

أي يوم تكره ؟ فقال : في يوم السبت ، ويوم الأربعاء ،
ويقولون : يوم الجمعة .



وروى الخلال ، عن أبي سلمة وأبي سعيد المقبري ،

عن أبي هريرة مرفوعاً : " من احتجم يوم الأربعاء
أو يوم السبت ، فأصابه بياض أو برص ، فلا يلومن إلا نفسه " .

وقال الخلال : أخبرنا محمد بن علي بن جعفر ، أن يعقوب

بن بختان حدثهم ، قال : سئل أحمد عن النورة والحجامة
يوم السبت ويوم الأربعاء ؟ فكرهها . وقال : بلغني عن
رجل أنه تنور ، واحتجم يعني يوم الأربعاء ،
فأصابه البرص . قلت له : كأنه تهاون بالحديث ؟ قال : نعم .

وفي كتاب الأفراد للدارقطني ، من حديث نافع قال :

قال لي عبد الله بن عمر : تبيغ بي الدم ، فابغ لي حجاماً ،
ولا يكن صبياً ولا شيخاً كببراً ، فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : " الحجامة تزيد الحافظ حفظاً ،
والعاقل عقلاً ، فاحتجموا على اسم الله تعالى ، ولا تحتجموا
الخميس ، والجمعة ، والسبت ، والأحد ، واحتجموا الإثنين ،
وما كان من جذام ولا برص ، إلا نزل يوم الأربعاء " .
قال الدارقطني : تفرد به زياد بن يحيى ، وقد رواه
أيوب عن نافع ، وقال فيه : " واحتجموا
يوم الإثنين والثلاثاء ، ولا تحتجموا يوم الأربعاء " .

وقد روى أبو داود في سننه من حديث أبي بكرة ، أنه كان

يكره الحجامة يوم الثلاثاء ، وقال : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها الدم " .



***



وفي ضمن هذه الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي ،

واستحباب الحجامة ، وأنها تكون في الموضع الذي
يقتضيه الحال ، وجواز احتجام المحرم ، وإن آل إلى
قطع شئ من الشعر ، فإن ذلك جائز . وفي وجوب الفدية
عليه نظر ، ولا يقوى الوجوب ، وجواز احتجام الصائم ،
فإن في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " احتجم وهو صائم " . ولكن هل يفطر بذلك ،
أم لا ؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ، لصحته
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ،
وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ، ولكن
لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور . أحدها :
أن الصوم كان فرضاً . الثاني : أنه كان مقيماً . الثالث :
أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة . الرابع :
أن هذا الحديث متأخر عن قوله : " أفطر الحاجم والمحجوم " .

محمد قطيش 03-10-2010 09:47 PM


فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع ، أمكن الإستدلال بفعله صلى

الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما
المانع أن يكون الصوم نفلاً يجوز الخروج منه بالحجامة
وغيرها ، أو من رمضان لكنه في السفر ، أو من رمضان
في الحضر ، لكن دعت الحاجة إليها كما تدعو حاجة من به
مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضاً من رمضان في الحضر
من غير حاجة إليها ، لكنه مبقى على الأصل . وقوله :
" أفطر الحاجم والمحجوم " ، ناقل ومتأخر ، فيتعين
المصير إليه ، ولا سبيل إلى إثبات واحدة من
هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها .

وفيها دليل على استئجار الطبيب وغيره من غير

عقد إجازة ، بل يعطيه أجرة المثل ، أو ما يرضيه .



وفيها دليل على جواز التكسب بصناعة الحجامة ، وإن كان

لا يطيب للحر أكل أجرته من غير تحريم عليه ، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ، ولم يمنعه من أكله ،
وتسميته إياه خبيثاً كتسميته للثوم
والبصل خبيثين ، ولم يلزم من ذلك تحريمهما .

وفيها دليل على جواز ضرب الرجل الخراج على عبده كل

يوم شيئاً معلوماً بقدر طاقته ، وأن العبد أن يتصرف فيما
زاد على خراجه ، ولو منع من التصرف ، لكان كسبه كله
خراجاً ولم يكن لتقديره فائدة ، بل ما زاد على خراجه ،
فهو تمليك من سيده له يتصرف فيه كما أراد ، والله أعلم .



***






في هديه صلى الله عليه وسلم في قطع العروق والكي


ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله ، أن النبي

صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً ،
فقطع له عرقاً وكواه عليه .

ولما رمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه

وسلم ثم ورمت ، فحسمه الثانية . والحسم : هو الكي .

وفي طريق آخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن

معاذ في أكحله بمشقص ، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه .

وفي لفظ آخر : أن رجلاً من الأنصار رمي في أكحله

بمشقص ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فكوي .

وقال أبو عبيد : وقد أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل

نعت له الكي ، فقال : " اكووه وارضفوه " . قال أبو عبيد :
الرضف: الحجارة تسخن ، ثم يكمد بها .


محمد قطيش 03-10-2010 09:48 PM

وقال الفضل بن دكين : حدثنا سفيان ، عن أبي ال**ير ،
عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كواه في أكحله .

وفي صحيح البخاري من حديث أنس ، أنه كوي
من ذات الجنب والنبى صلى الله عليه وسلم حي .

وفي الترمذي ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم :
" كوى أسعد بن زرارة من الشوكة " ، وقد تقدم الحديث
المتفق عليه وفيه " وما أحب أن أكتوي
" وفي لفظ آخر : " وأنا أنهى أمتي عن الكي " .

وفي جامع الترمذي وغيره عن عمران بن حصين ، أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي قال : فابتلينا فاكتوينا
فما أفلحنا ، ولا أنجحنا . وفي لفظ :
نهينا عن الكي وقال : فما أفلحن ولا أنجحن .

قال الخطابي : إنما كوى سعداً ليرقأ الدم من جرحه ،
وخاف عليه أن ينزف فيهلك . والكي مستعمل في
هذا الباب ، كما يكوى من تقطع يده أو رجله .



وأما النهي عن الكي ، فهو أن يكتوي طلباً للشفاء ،
وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو ، هلك ،
فنهاهم عنه لأجل هذه النية .

وقيل : إنما نهى عنه عمران بن حصين خاصة ،
لأنه كان به ناصور ، وكان موضعه خطراً ،
فنهاه عن كيه ، فيشبه أن يكون النهي منصرفاً إلى
الموضع المخوف منه ، والله أعلم .

وقال ابن قتيبة : الكي جنسان : كي الصحيح لئلا يعتل ،
فهذا الذي قيل فيه : لم يتوكل من اكتوى ،
لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه .

والثاني : كي الجرح إذا نغل ،
والعضو إذا قطع ، ففي هذا الشفاء .

وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجع ،
ويجوز أن لا ينجع ، فإنه إلى الكراهة أقرب . انتهى .

وثبت في الصحيح في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة
بغير حساب "أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ،
وعلى ربهم يتوكلون ".



فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع ، أحدها : فعله ، والثاني :
عدم محبته له ، والثالث : الثناء على من تركه ، والرابع :
النهي عنه ، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى ، فإن فعله يدل
على جوازه ، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه . وأما الثناء
على تاركه ، فيدل على أن تركه أولى وأفضل . وأما النهي عنه ،
فعلى سبيل الإختيار والكراهة ، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه ،
بل يفعل خوفاً من حدوث الداء ، والله أعلم .



محمد قطيش 03-10-2010 09:49 PM


في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع


أخرجا في الصحيحين من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال : قال

ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى . قال :
هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :
إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، فقال : " إن شئت
صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك ، فقالت :
أصبر . قالت : فإني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها " .

قلت : الصرع صرعان : صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية ،

وصرع من الأخلاط الرديئة . والثاني : هو
الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه .



وأما صرع الأرواح ، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ، ولا يدفعونه ،

ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية
لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدافع آثارها ، وتعارض أفعالها
وتبطلها ، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه ، فذكر بعض
علاج الصرع ، وقال : هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه
الأخلاط والمادة . وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ،
فلا ينفع فيه هذا العلاج .

وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة ،

فأولئك ينكرون صرع الأرواح ، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع ،
وليس معهم إلا الجهل ، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك ،
والحس والوجود شاهد به ، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض
الأخلاط ، هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها .



وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع : المرض الإلهي ،

وقالوا : إنه من الأرواح ، وأما جالينوس وغيره ، فتأولوا عليهم
هذه التسمية ، وقالوا : إنما سموه بالمرض الإلهي لكون هذه
العلة تحدث في الرأس ، فنضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ.

وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها ، وتأثيراتها ،

وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده .

ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك

من جهل هؤلاء وضعف عقولهم .



وعلاج هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع ، وأمر

من جهة المعالج ، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه ،
وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها ، والتعوذ الصحيح
الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان ، فإن هذا نوع محاربة ،
والمحارب لا يتم له الإنتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين :
أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً ، وأن يكون الساعد قوياً ،
فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل ، فكيف إذا عدم
الأمران جميعاً : يكون القلب خراباً من التوحيد ،
والتوكل ، والتقوى ، والتوجه ، ولا سلاح له .

والثاني : من جهة المعالج ، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً ،

حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله : اخرج منه . أو بقول:
بسم الله أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، والنبى صلى الله عليه
وسلم كان يقول : " اخرج عدو الله أنا رسول الله " .

وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ،

ويقول : قال لك الشيخ : اخرجي ، فإن هذا لا يحل لك ، فيفيق
المصروع ، وربما خاطبها بنفسه ، وربما كانت الروح ماردة
فيخرجها بالضرب ، فيفيق المصروع ولا يحس بألم ،
وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً .

محمد قطيش 03-10-2010 09:50 PM

وكان كثيراً ما يقرأ في أذن المصروع :
" أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " [ المؤمنون : 115 ] .

وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع ، فقالت الروح : نعم ،
ومد بها صوته . قال : فأخذت له عصا ، وضربته بها في
عروق عنقه حتى كلت يداي من الضرب ، ، ولم يشك
الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب . ففي أثناء الضرب قالت :
أنا أحبه ، فقلت لها : هو لا يحبك ، قالت : أنا أريد أن أحج به ،
فقلت لها : هو لا يريد أن يحج معك ، فقالت : أنا أدعه كرامة لك ،
قال : قلت : لا ولكن طاعة لله ولرسوله ، قالت : فأنا أخرج منه ،
قال : فقعد المصروع يلتفت يميناً وشمالاً ، وقال : ما جاء بي
إلى حضرة الشيخ ، قالوا له : وهذا الضرب كله ؟ فقال : وعلى
أي شئ يضربني الشيخ ولم أذنب ، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة .

وكان يعالج بآية الكرسي ، وكان يأمر بكثرة قراءتها
المصروع ومن يعالجه بها ، وبقراءة المعوذتين .

وبالجملة فهذا النوع من الصرع ، وعلاجه لا ينكره إلا قليل
الحظ من العلم والعقل والمعرفة ، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة
على أهله تكون من جهة قلة دينهم ، وخراب قلوبهم وألسنتهم
من حقائق الذكر ، والتعاويذ ، والتحصنات النبوية والايمانية ،
فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه ،
وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا .

ولو كشف الغطاء ، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه
الأرواح الخبيثة ، وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت ،

ولا يمكنها الإمتناع عنها ولا مخالفتها ، وبها الصرع الأعظم الذي
لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة ، فهناك يتحقق
أنه كان هو المصروع حقيقة ، وبالله المستعان .



وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت
به الرسل ، وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة قلبه ،
ويستحضر أهل الدنيا ، وحلول المثلات والآفات بهم ، ووقوعها
خلال ديارهم كمواقع القطر ، وهم صرعى لا يفيقون ، وما أشد داء
هذا الصرع ، ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعاً ،
لم يصر مستغرباً ولا مستنكراً ، بل صار لكثرة المصروعين
عين المستنكر المستغرب خلافه .

فإذا أراد الله بعبد خيراً أفاق من هذه الصرعة ، ونظر إلى أبناء الدنيا
مصروعين حوله يميناً وشمالاً على اختلاف طبقاتهم ، فمنهم من
أطبق به الجنون ، ومنهم من يفيق أحياناً قليلة ، ويعود إلى جنونه ،
ومنهم من يفيق مرة ، ويجن أخرى ، فإذا أفاق عمل عمل
أهل الإفاقة والعقل ، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط .


هديه صلى الله عليه وسلم:

في علاج ذات الجنب

في علاج الصداع والشقيقة

في الحمية

في علاج الرمد بالسكون ، والدعة ، وترك الحركة ،
والحمية مما يهيج الرمد

في علاج الخدران الكلي الذي يجمد معه البدن

في إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب ، وإرشاده إلى دفع
مضرات السموم بأضدادها

في علاج الأورام ، والخرجات التي تبرأ بالبط والبزل

في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم

في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية
دون ما لم تعتده

في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية

في علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود

في علاج السحر الذي سحرته اليهود به

في الإستفراغ بالقئ

في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطبيبين



محمد قطيش 03-10-2010 09:51 PM

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج ذات الجنب
روى الترمذي في جامعه من حديث زيد بن أرقم ، أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " تداووا من ذات الجنب
بالقسط البحري والزيت " .

وذات الجنب عند الأطباء نوعان : حقيقي وغير حقيقي .
فالحقيقي : ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء
المستبطن للأضلاع . وغير الحقيقى : ألم يشبهه يعرض
في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين
الصفاقات ، فتحدث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقي ،
إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود ، وفي الحقيقي ناخس .




قال صاحب القانون : قد يعرض في الجنب ، والصفاقات ،
والعضل التي في الصدر ، والأضلاع ، ونواحيها أورام
مؤذية جداً موجعة ، تسمى شوصة وبرساماً ، وذات الجنب .
وقد تكون أيضاً أوجاعاً في هذه الأعضاء ليست من ورم ،
ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العلة ، ولا تكون
منها . قال : واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات
الجنب اشتقاقاً من مكان الألم ، لأن


معنى ذات الجنب صاحبة الجنب ، والغرض به ها هنا وجع
الجنب ، فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه ،
وعليه حمل كلام بقراط في قوله : إن أصحاب ذات الجنب
ينتفعون بالحمام . قيل : المراد به كل من به وجع جنب ،
أو وجع رئة من سوء مزاج ، أو من أخلاط غليظة ،
أو لذاعة من غير ورم ولا حمى .




قال بعض الأطباء : وأما معنى ذات الجنب في لغة اليونان ،
فهو ورم الجنب الحار ، وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء
الباطنة ، وإنما سمي ذات الجنب ورم ذلك العضو
إذا كان ورماً حاراً فقط .




ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض : وهي
الحمى والسعال ، والوجع الناخس ، وضيق
النفس ، والنبض المنشاري .


والعلاج الموجود في الحديث ، ليس هو لهذا القسم ،
لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة ، فإن
القسط البحري - وهو العود الهندي
على ما جاء مفسراً في أحاديث أخر - صنف من القسط
إذا دق دقاً ناعماً ، وخلط بالزيت المسخن ، ودلك به
مكان الريح المذكور ، أو لعق ، كان دواء موافقاً لذلك ،
نافعاً له ، محللاً لمادته ، مذهباً لها ، مقوياً للأعضاء
الباطنة ، مفتحاً للسدد ، والعود المذكور في منافعه كذلك .


قال المسبحي : العود : حار يابس ، قابض يحبس
البطن ، ويقوي الأعضاء الباطنة ، ويطرد الريح ،
ويفتح السدد ، نافع من ذات الجنب ، ويذهب فضل
الرطوبة ، والعود المذكور جيد للدماغ . قال : ويجوز
أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضاً إذا كان
حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت
انحطاط العلة ، والله أعلم .



محمد قطيش 03-10-2010 09:51 PM


وذات الجنب : من الأمراض الخطرة ، وفي الحديث
الصحيح : عن أم سلمة ، أنها قالت : بدأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمرضه في بيت ميمونة ،
وكان كلما خف عليه ، خرج وصلى بالناس ،
وكان كلما وجد ثقلاً قال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس "
، واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة الوجع ،
فاجتمع عنده نساؤه ، وعمه العباس ، وأم الفضل
بنت الحارث وأسماء بنت عميس ، فتشاوروا في لده ،
فلدوه وهو مغمور ، فلما أفاق قال : " من فعل بي هذا ،
هذا من عمل نساء جئن من ها هنا ، وأشار بيده إلى
أرض الحبشة ، وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه ، فقالوا :
يا رسول الله ! خشينا أن يكون بك ذات الجنب . قال :
فبم لددتموني ؟ قالوا : بالعود الهندي ، وشئ من ورس ،
وقطرات من زيت . فقال : ما كان الله ليقذفني بذلك الداء ،
ثم قال : عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت
أحد إلا لد إلا عمي العباس " .


وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :
لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار أن لا تلدوني ،
فقلنا : كراهية المريض للدواء ، فلما أفاق قال :
" ألم أنهكم أن تلدوني ، لا يبقى منكم أحد إلا لد غير
عمي العباس ، فإنه لم يشهدكم " .


قال أبو عبيد عن الأصمعي : اللدود : ما يسقى الإنسان
في أحد شقي الفم ، أخذ من لديدي الوادي ، وهما جانباه .
وأما الوجور : فهو في وسط الفم .




قلت : واللدود - بالفتح : - هو الدواء الذي يلد به .
والسعوط : ما أدخل من أنفه .


وفي هذا الحديث من الفقه معاقبة الجاني بمثل ما فعل
سواء ، إذا لم يكن فعله محرماً لحق الله ، وهذا هو
الصواب المقطوع به لبضعة عشر دليلاً قد ذكرناها في
موضع آخر ، وهو منصوص أحمد وهو ثابت عن الخلفاء
الراشدين ، وترجمة المسألة بالقصاص في اللطمة
والضربة ، وفيها عدة أحاديث لا معارض لها
البتة ، فيتعين القول بها .



في هديه صلى الله عليه وسلم في
علاج الصداع والشقيقة

روى ابن ماجه في سننه حديثاً في صحته نظر :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع ،
غلف رأسه بالحناء ، ويقول :
" إنه نافع بإذن الله من الصداع " .

والصداع : ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله ،
فما كان منه في أحد شقي الرأس لازماً يسمى
شقيقة ، وإن كان شاملاً لجميعه لازماً ، يسمى
بيضة وخودة تشبيهاً ببيضة السلاح التي تشتمل
على الرأس كله ، وربما كان في مؤخر
الرأس أو في مقدمه .


وأنواعه كثيرة ، وأسبابه مختلفة . وحقيقة الصداع سخونة
الرأس ، واحتماؤه لما دار فيه من البخار يطلب النفوذ
من الرأس ، فلا يجد منفذاً فيصدعه كما يصدع الوعي إذا
حمي ما فيه وطلب النفوذ ، فكل شئ رطب إذا حمي ،
طلب مكاناً أوسع من مكانه الذي كان فيه ، فإذا عرض
هذا البخار في الرأس كله بحيث لا يمكنه التفشي والتحلل ،
وجال في الرأس ، سمي السدر .




محمد قطيش 03-10-2010 09:54 PM


والصداع يكون عن أسباب عديدة :


أحدها : من غلبة واحد من الطبائع الأربعة .


والخامس : يكون من قروح تكون في المعدة ، فيألم
الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر
من الرأس بالمعدة .


والسادس : من ريح غليظة تكون في المعدة ، فتصعد إلى الرأس فتصدعه .


والسابع : يكون من ورم في عروق المعدة ، فيألم الرأس بألم المعدة للإتصال الذي بينهما .


والثامن : صداع يحصل عن امتلاء المعدة من الطعام ،
ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئاً ، فيصدع الرأس ويثقله .


والتاسع : يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم ، فيصل إليه
من حر الهواء أكثر من قدره .


والعاشر : صداع يحصل بعد القئ والإستفراغ ، إما لغلبة
اليبس ، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه .


والحادي عشر : صداع يعرض عن شدة الحر
وسخونة الهواء .


والثاني عشر : ما يعرض عن شدة البرد ، وتكاثف
الأبخرة في الرأس وعدم تحللها .


والثالث عشر : ما يحدث من السهر وعدم النوم .


والرابع عشر : ما يحدث من ضغط الرأس
وحمل الشئ الثقيل عليه .


والخامس عشر : ما يحدث من كثرة الكلام ،
فتضعف قوة الدماغ لأجله .


والسادس عشر : ما يحدث من كثرة الحركة
والرياضة المفرطة .


والسابع عشر : ما يحدث من الأعراض النفسانية ، كالهموم ،
والغموم ، والأحزان ، والوساوس ، والأفكار الرديئة .


والثامن عشر : ما يحدث من شدة الجوع ، فإن الأبخرة
لا تجد ما تعمل فيه ، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه .


والتاسع عشر : ما يحدث عن ورم في صفاق الدماغ ،
ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه .


والعشرون : ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال
حرارتها فيه فيتألم ، والله أعلم .





وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس
وحدها حاصلة فيها ، أو مرتقية إليها ، فيقبلها الجانب
الأضعف من جانبيه ، وتلك المادة إما بخارية ، وإما
أخلاط حارة أو باردة ، وعلامتها الخاصة بها ضربان
الشرايين ، وخاصة في الدموي . وإذا ضبطت بالعصائب ،
ومنعت من الضربان ، سكن الوجع .


وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له : أن هذا
النواع كان يصيب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيمكث
اليوم واليومين ، ولا يخرج .


وفيه : عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وقد عصب رأسه بعصابة .


وفي الصحيح ، أنه قال في مرض موته : " وارأساه "
وكان يعصب رأسه في مرضه ، وعصب الرأس ينفع
في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس .







وعلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه ، فمنه
ما علاجه بالإستفراغ ، ومنه ما علاجه بتناول الغذاء ،
ومنه ما علاجه بالسكون والدعة ، ومنه ما علاجه
بالضمادات ، ومنه ما علاجه بالتبريد ، ومنه ما علاجه
بالتسخين ، ومنه ما علاجه بأن يجتنب سماع
الأصوات والحركات .


إذا عرف هذا ، فعلاج الصداع في هذا الحديث بالحناء ،
هو جزئي لا كلي ، وهو علاج نوع من أنواعه ، فإن
الصداع إذا كان من حرارة ملهبة ، ولم يكن من مادة
يجب استفراغها ، نفع فيه الحناء نفعاً ظاهراً ، وإذا
دق وضمدت به الجبهة مع الخل، سكن الصداع،
وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به ، سكنت أوجاعه ،
وهذا لا يختص بوجع الرأس ، بل يعم الأعضاء ،
وفيه قبض تشد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع
الورم الحار والملتهب ، سكنه .




وقد روى البخاري في تاريخه وأبو داود في السنن
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شكى إليه أحد
وجعاً في رأسه إلا قال له : " احتجم " ، ولا شكى
إليه وجعاً في رجليه إلا قال له : " اختضب بالحناء " .


وفي الترمذي : عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى
الله عليه وسلم قالت : كان لا يصيب النبي صلى الله
عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء .






والحناء بارد في الأولى ، يابس في الثانية ، وقوة شجر
الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من
جوهر فيها مائي ، حار باعتدال ، ومن قوة قابضة
اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد .



محمد قطيش 03-10-2010 09:55 PM


ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوة
موافقة للعصب إذا ضمد به ، وينفع إذا مضغ ، من
قروح الفم والسلاق العارض فيه ، ويبرئ القلاع الحادث
في أفواه الصبيان ، والضماد به ينفع من الأورام الحارة
الملهبة ، ويفعل في الجراحات فهل دم الأخوين .
وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ، ودهن الورد ،
ينفع من أوجاع الجنب .


ومن خواصه أنه إذا بدأ الخدري يخرج بصبي ،
فخضبت أ**** رجليه بحناء ، فإنه يؤمن على
عينيه أن يخرج فيها شئ منه ، وهذا صحيح مجرب
لا شك فيه . وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ،
ومنع السوس عنها ، وإذا نقع ورقه في ماء يغمره، ثم
عصر وشرب من صفوه أربعين يوماً كل يوم عشرون
درهماً مع عشرة دراهم سكر ، ويغذى عليه بلحم الضأن
الصغير ، فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة .


وحكي أن رجلاً تشققت أظافير أصابع يده ، وأنه بذل لمن
يبرئه مالاً ، فلم يجد ، فوصفت له امرأة ، أن يشرب عشرة
أيام حناء ، فلم يقدم عليه ، ثم نقعه بماء وشربه ،
فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها .


والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجوناً حسنها ونفعها ،
وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي
ترشح ماء أصفر ، نفعها ونفع من الجرب المتقرح
المزمن منفعة بليغة ، وهو ينبت الشعر ويقويه ، ويحسنه ،
ويقوي الرأس ، وينفع من النفاطات ، والبثور العارضة
في الساقين والرجلين ، وسائر البدن .




في هديه صلى الله عليه وسلم في معالجة المرضى
بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب ،
وأنهم لا يكرهون على تناولهما


روى الترمذي في جامعه ، وابن ماجه ، عن عقبة
بن عامر الجهني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ، فإن الله
عز وجل يطعمهم ويسقيهم " .




قال بعض فضلاء الأطباء : ما أغزر فوائد هذه الكلمة
النبوية المشتملة على حكم إلهية ، لا سيما للأطباء ،
ولمن يعالج المرضى ، وذلك أن المريض إذا عاف
الطعام أو الشراب ، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض ،
أو لسقوط شهوته ، أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية
أو خمودها ، وكيفما كان ، فلا يجوز حينئذ إعطاء
الغذاء في هذه الحالة .




واعلم أن الجوع إنا هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة
به عليها عوض ما يتحلل منها ، فتجذب الأعضاء القصوى
من الأعضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب الى المعدة ، فيحس
الإنسان بالجوع ، فيطلب الغذاء ، وإذا وجد المرض ، اشتغلت
الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها عن
طلب الغذاء ، أو
الشراب ، فإذا أكره المريض على استعمال شئ من ذلك ،
تعطلت به الطبيعة عن فعلها ، واشتغلت بهضمه وتدبيره
عن إنضاج مادة المرض ودفعه ، فيكون ذلك سبباً لضرر
المريض ، ولا سيما في أوقات البحران ، أو ضعف الحار
الغريزي أو خموده ، فيكون ذلك زيادة في البلية ، وتعجيل
النازلة المتوقعة ، ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت
والحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال
مزعج للطبيعة البتة ، وذلك يكون بما لطف قوامه من الأشربة
والأغذية ، واعتدل مزاجه كشراب اللينوفر ، والتفاح ،
والورد الطري ، وما أشبه ذلك ، ومن الأغذية مرق الفراريج
المعتدلة الطيبة فقط ، وإنعاش قواه بالأراييح العطرة الموافقة ،
والأخبار السارة ، فإن الطبيب خادم الطبيعة ،
ومعينها لا معيقها .




واعلم أن الدم الجيد هو المغذي للبدن ، وأن البلغم دم
فج قد نضج بعض النضج ، فإذا كان بعض المرضى في
بدنه بلغم كثير ، وعدم الغذاء ، عطفت الطبيعة عليه ،
وطبخته ، وأنضجته ، وصيرته دماً ، وغذت به الأعضاء ،
واكتفت به عما سواه ، والطبيعة هي القوة التي وكلها الله
سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته ،
وحراسته مدة حياته .


واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على
الطعام والشراب ، وذلك في الأمراض التي يكون معها
اختلاط العقل ، وعلى هذا فيكون الحديث من العام المخصوص ،
أو من المطلق الذي قد دل على تقييده دليل ، ومعنى الحديث :
أن المريض قد يعيش بلا غذاء أياماً لا يعيش الصحيح في مثلها .



محمد قطيش 03-10-2010 09:56 PM


وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الله يطعمهم ويسقيهم
" معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من
له عناية بأحكام القلوب والأرواح ، وتأثيرها في طبيعة البدن ،
وانفعال الطبيعة عنها ، كما تنفعل هي كثيراً عن الطبيعة ،
ونحن نشير إليه إشارة ، فنقول : النفس إذا حصل لها ما
يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف ، اشتغلت به عن
طلب الغذاء والشراب ، فلا تحس بجوع ولا عطش ، بل ولا
حر ولا برد ، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم ،
فلا تحس به ، وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئاً
منه ، وإذا اشتغلت النفس بما دهمها ، وورد عليها ، لم تحس
بألم الجوع ، فإن كان الوارد مفرحاً قوي التفريح ، قام لها
مقام الغذاء ، فشبعت به ، وانتعشت قواها ، وتضاعفت ،
وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه ، فيشرق
وجهه ، وتظهر دمويته ، فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب ،
فينبعث في العروق ، فتمتلئ به ، فلا تطلب الأعضاء حظها
من الغذاء المعتاد لاشتغالها بما هو أحب إليها ، وإلى الطبيعة
منه ، والطبيعة إذا ظفرت بما تحب ، آثرته على ما هو دونه .




وإن كان الوارد مؤلماً أو محزناً أو مخوفاً ، اشتغلت بمحاربته
وققاومته ومدافعته عن طلب الغذاء ، فهي في حال حربها
في شغل عن طلب الطعام والشراب . فإن ظفرت في هذا الحرب ،
انتعشت قواها ، وأخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام
والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة ، انحطت قواها بحسب
ما حصل لها من ذلك ، وإن كانت الحرب بينها وبين هذا العدو
سجالاً ، فالقوة تظهر تارة وتختفي أخرى ، وبالجملة فالحرب
بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين ،
والنصر للغالب ، والمغلوب إما قتيل ، وإما جريح ، وإما أسير .


فالمريض : له مدد من الله تعالى يغذيه به زائداً على ما ذكره
الأطباء من تغذيته بالدم ، وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره
وانطراحه بين يدي ربه عز وجل ، فيحصل له من ذلك ما يوجب
له قرباً من ربه ، فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر
قلبه ، ورحمة ربه عندئذ قريبة منه ، فإن كان ولياً له ، حصل
له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته ، وتنتعش
به قواه أعظم من قوتها ، وانتعاشها بالأغذية البدنية ، وكلما
قوي إيمانه وحبه لربه ،
وأنسه به ، وفرحه به ، وقوي يقينه بربه ،
واشتد شوقه إليه
ورضاه به وعنه ، وجد في نفسه من هذه القوة ما لا يعبر
عنه ، ولا يدركه وصف طبيب ، ولا يناله علمه .




ومن غلظ طبعه ، وكثفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به ،
فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم
بحب ما يعشقونه من صورة ، أو جاه ، أو مال ، أو علم ،
وقد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم وفي غيرهم .


وقد ثبت في الصحيح : عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه
كان يواصل في الصيام الأيام ذوات العدد ، وينهى أصحابه
عن الوصال ويقول : " لست كهيئتكم إني أظل
يطعمني ربي ويسقيني " .


ومعلوم أن هذا الطعام والشراب ليس هو الطعام الذي يأكله
الإنسان بفمه ، وإلا لم يكن مواصلاً ، ولم يتحقق الفرق ،
بل لم يكن صائماً ، فإنه قال : " أظل يطعمني ربي ويسقيني " .


وأيضاً فإنه فرق بينه وبينهم في نفس الوصال ، وأنه يقدر
منه على ما لا يقدرون عليه ، فلو كان يأكل ويشرب بفمه ،
لم يقل لست كهيئتكم ، وإنما فهم هذا من الحديث من قل
نصيبه من غذاء الأرواح والقلوب ، وتأثيره في القوة وإنعاشها ،
واغتذائها به فوق تأثير الغذاء الجسماني ، والله الموفق .




ويجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم ،
فيكون الحديث من العام المخصوص ، ويجوز
نفعه لخاصية تلك البلد ، وتلك التربة الخاصة
من كل سم ، ولكن ها هنا أمر لا بد من بيانه ،
وهو أن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله ،
واعتقاد النفع به ، فتقبله الطبيعة ، فتستعين به
على دفع العلة ، حتى إن كثيراً من المعالجات ينفع
بالإعتقاد ، وحسن القبول ، وكمال التلقي ، وقد شاهد
الناس من ذلك عجائب ، وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولها له ،
وتفرح النفس به ، فتنتعش القوة ، ويقوى سلطان
الطبيعة ، وينبعث الحار الغريزي ، فيساعد على دفع
المؤذي ، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعاً لتلك
العلة ، فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه ، وعدم
أخذ الطبيعة له بالقبول ، فلا يجدي عليها شيئاً .
واعتبر هذا بأعظم الأدوية والأشفية ، وأنفعها للقلوب
والأبدان ، والمعاش والمعاد ، والدنيا والآخرة ، وهو
القرآن الذي هو شفاء من كل داء ، كيف لا ينفع القلوب
التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع ، بل لا يزيدها إلا
مرضاً إلى مرضها ، وليس لشفاء القلوب دواء قط أنفع
من القرآن ، فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر
فيها سقماً إلا أبرأه ، ويحفظ عليها صحتها المطلقة ،
ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر ، ومع هذا
فإعراض أكثر القلوب عنه ، وعدم اعتقادها الجازم الذي
لا ريب فيه أنه كذلك ، وعدم استعماله ، والعدول عنه
إلى الأدوية التي ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به ،
وغلبت العوائد ، واشتد الإعراض ، وتمكنت العلل والأدواء
المزمنة من القلوب ، وتربى المرضى والاطباء على
علاج بني جنسهم وما وضعه لهم شيوخهم ، ومن يعظمونه
ويحسنون به ظنونهم ، فعظم المصاب ، واستحكم الداء ،
وتركبت أمراض وعلل أعيا عليهم علاجها ، وكلما عالجوها
بتلك العلاجات الحادثة تفاقم أمرها ، وقويت ،
ولسان الحال ينادي عليهم :

ومـــن العجــائب والعجــائب جمة قـرب الشفاء وما إليه وصول


كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول


محمد قطيش 03-10-2010 09:57 PM

في هديه صلى الله عليه وسلم في دفع ضرر الأغذية
والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها ، ويقوي نفعها

ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن جعفر ،
قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأكل الرطب بالقثاء .

والرطب : حار رطب في الثانية ، يقوي المعدة الباردة ،
ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ولكنه سريع التعفن ،
معطش معكر للدم ، مصدع مولد للسدد ، ووجع المثانة ،
ومضر بالأسنان ، والقثاء بارد رطب في الثانية ،
مسكن للعطش ، منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية ،
مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة ، وإذا جفف بزره ،
ودق واستحلب بالماء ، وشرب ، سكن العطش ،
وأدر البول ، ونفع من وجع المثانة . وإذا دق ونخل ،
ودلك به الأسنان ، جلاها ، وإذا دق ورقه وعمل منه
ضماد مع الميبختج ، نفع من عضة الكلب الكلب .

وبالجملة : فهذا حار ، وهذا بارد ، وفي كل منهما
صلاح للآخر ، وإزالة لأكثر ضرره ، ومقاومة كل كيفية
بضدها ، ودفع سورتها بالأخرى ، وهذا أصل العلاج كله ،
وهو أصل في حفظ الصحة ، بل علم الطب كله
يستفاد من هذا . وفي استعمال ذلك وأمثاله في الأغذية
والأدوية إصلاح لها وتعديل ، ودفع لما فيها من الكيفيات
المضرة لما يقابلها ، وفي ذلك عون على صحة البدن ،
وقوته وخصبه ، قالت عائشة رضي الله عنها :
سمنوني بكل شئ ، فلم أسمن ، فسمنوني بالقثاء
والرطب ، فسمنت .

وبالجملة : فدفع ضرر البارد بالحار ، والحار بالبارد ،
والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وتعديل أحدهما
بالآخر من أبلغ أنواع العلاجات ، وحفظ الصحة ،
ونظير هذا ما تقدم من أمره بالسنا والسنوت ، وهو
العسل الذي فيه شئ من السمن يصلح به السنا ، ويعدله ،
فصلوات الله وسلامه على من بعث بعمارة القلوب والأبدان ،
وبمصالح الدنيا والآخرة .









في هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية


الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع
التخليط ، احتيج إلى الإستفراغ الموافق ، وكذلك مدار
الطب كله على هذه القواعد الثلاثة . والحمية : حميتان :
حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف
على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية : حمية
المرضى ، فإن المريض إذا احتمى ، وقف مرضه عن
التزايد ، وأخذت القوى في دفعه . والأصل في الحمية قوله
تعالى : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم
من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا " [ النساء : 43 ، المائدة : 6 ] ، فحمى المريض من
استعمال الماء ، لأنه يضره.



وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر بنت قيس
الأنصارية ، قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومعه علي ، وعلي ناقه من مرض ، ولنا دوالي
معلقة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها ،
وقام علي يأكل منها ، فطفق رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لعلي : إنك ناقة حتى كف . قالت : وصنعت
شعيراً وسلقاً ، فجئت به ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لعلي : من هذا أصب ، فإنه أنفع لك " وفي لفظ فقال :
" من هذا فأصب ، فإنه أوفق لك " .



وفي سنن ابن ماجه أيضاً عن صهيب قال : " قدمت على
النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر ، فقال :
ادن فكل ، فأخذت تمراً فأكلت ، فقال : أتأكل تمراً وبك
رمد ؟ فقلت : يا رسول الله ! أمضع من الناحية الأخرى ،
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" .

وفي حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم : " إن الله
إذا أحب عبداً ، حماه من الدنيا ، كما يحمي أحدكم مريضه
عن الطعام والشراب " . وفي لفظ : " إن الله يحمي
عبده المؤمن من الدنيا " .



وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس : الحمية
رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل جسم ما
اعتاد فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب
العرب ، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله
غير واحد من أئمة الحديث . ويذكر عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " أن المعدة حوض البدن ، والعروق إليها واردة ،
فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة ، وإذا سقمت المعدة ،
صدرت العروق بالسقم " .

وقال الحارث : رأس الطب الحمية ، والحمية عندهم للصحيح
في المضرة بمنزلة التخليط للمريض والناقه ، وأنفع ما تكون
الحمية للناقه من المرض ، فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها
، والقوة الهاضمة ضعيفة ، والطبيعة قابلة ، والأعضاء
مستعدة ، فتخليطه يوجب انتكاسها ، وهو أصعب
من ابتداء مرضه .

واعلم أن في رفع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي
من الأكل من الدوالي ، وهو ناقه أحسن التدبير ، فان
الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة
عناقيد العنب ، والفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة
استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإنها لم تتمكن
بعد من قوتها ، وهي مشغولة بدفع آثار العلة ،
وإزالتها من البدن .


محمد قطيش 03-10-2010 09:57 PM

وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة ، فتشتغل بمعالجته
وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة المرض وآثاره ، فإما
أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ، فلما وضح بين
يديه السلق والشعير ، أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع
الأغذية للناقه ، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية ،
والتلطيف والتليين ، وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه ،
ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء
لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه .


وقال زيد بن أسلم : حمى عمر رضي الله عنه مريضاً له ،
حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى .


وبالجملة : فالحمية من أنفع الأدوية قبل الداء ، فتمنع
حصوله ، وإذا حصل ، فتمنع تزايده وانتشاره .






ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل
والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت
إليه الطبيعة ، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز
الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ،
فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة، فيصلحان
ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه
الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله
عليه وسلم صهيباً وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ،
وعلم أنها لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن علي أنه دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال : " يا علي !
تشتهيه ؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعاً
، ثم قال : حسبك يا علي " .




ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة ،
عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً
فقال له : " ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي خبز بر . وفي
لفظ : أشتهي كعكاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
من كان عنده خبز بر فيبعث إلى أخيه ثم قال : إذا اشتهى
مريض أحدكم شيئاً ، فليطعمه " .


ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول
ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ،
كان أنفع وأقل ضرراً مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعاً في
نفسه ، فإن صدق شهوته ، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ،
وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع ، قد يجلب لها منه ضرراً .
وبالجملة : فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية ،
فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس
إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .


في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد
بالسكون ، والدعة ، وترك الحركة ،
والحمية مما يهيج الرمد


وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيباً
من التمر ، وأنكر عليه أكله ، وهو أرمد ، وحمى
علياً من الرطب لما أصابه الرمد .

وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي : أنه صلى الله
عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه
لم يأتها حتى تبرأ عينها .


الرمد : ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ،
وهو بياضها الظاهر ، وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة ،
أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن ، فينبعث
منها قسط إلى جوهر العين ، أو ضربة تصيب العين ،
فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقداراً كثيراً تروم
بذلك شفاءها مما عرض لها ، ولأجل ذلك يرم العضو
المضروب ، والقياس يوجب ضده .




واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران ،
أحدهما : حار يابس ، والآخر : حار رطب ، فينعقدان
سحاباً متراكماً ، ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء ،
فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ،
فيمنعان النظر ، ويتولد عنهما علل شتى ، فإن قويت
الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ، أحدث الزكام ،
وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق ، وإن دفعته
إلى الجنب ، أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر ،
أحدث النزلة ، وإن انحدر إلى القلب ، أحدث الخبطة ،
وإن دفعته إلى العين أحدث رمداً ، وإن انحدر إلى الجوف ،
أحدث السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ،
وإن ترطبت أوعية الدماغ منه ، وامتلأت به عروقه أحدث
النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطباً ، والسهر يابساً . وإن
طلب البخار النفوذ من الرأس ، فلم يقدر عليه ، أعقبه
الصداع والسهر ، وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس ،
أعقبه الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة .
أعقبه داء البيضة ، وإن برد منه حجاب الدماغ ،
أو سخن ، أو ترطب وهاجت منه أرياح ، أحدث العطاس ،
وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي ،
أحدث الإغماء والسكات ، وإن أهاج المرة السوداء حتى
أظلم هواء الدماغ ، أحدث الوسواس ، وإن فاض ذلك إلى
مجاري العصب ، أحدث الصرع الطبيعي ، وإن ترطبت
مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه ، أعقبه الفالج ،
وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ ،
أحدث البرسام ، فإن شركه الصدر في ذلك ، كان
سرساماً ، فافهم هذا الفصل .


محمد قطيش 03-10-2010 09:58 PM

والمقصود : أن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة هائجة
في حال الرمد ، والجماع مما يزيد حركتها وثورانها ،
فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة . فأما البدن ،
فيسخن بالحركة لا محالة ، والنفس تشتد حركتها طلباً للذة
واستكمالها ، والروح تتحرك تبعاً لحركة النفس والبدن ،
فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ، ومنه ينشأ الروح ،
وتنبث في الأعضاء . وأما حركة الطبيعة ، فلأجل أن ترسل
ما يجب إرساله من المني على المقدار الذي يجب إرساله .




وبالجملة : فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن
وقواه ، وطبيعته وأخلاطه ، والروح والنفس ، فكل حركة
فهى مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى
الأعضاء الضعيفة ، والعين في حال رمدها أضعف ما
تكون ، فأضر ما عليها حركة الجماع .


قال بقراط في كتاب الفصول : وقد يدل ركوب السفن أن الحركة
تثور الأبدان . هذا مع أن في الرمد منافع كثيرة ، منها
ما يستدعيه من الحمية والإستفراغ ، وتنقية الرأس والبدن
من فضلاتهما وعفوناتهما ، والكف عما يؤذي النفس والبدن
من الغضب ، والهم والحزن ، والحركات العنيفة ، والأعمال
الشاقة . وفي أثر سلفي : لا تكرهوا الرمد ،
فإنه يقطع عروق العمى .




ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة ، وترك
مس العين والإشتغال بها ، فإن أضداد ذلك يوجب انصباب
المواد إليها . وقد قال بعض السلف : مثل أصحاب محمد
مثل العين ، ودواء العين ترك مسها . وقد روي في
حديث مرفوع ، الله أعلم به : " علاج الرمد تقطير الماء
البارد في العين " وهو من أنفع الأدوية للرمد الحار ،
فإن الماء دواء بارد يستعان به على إطفاء حرارة الرمد
إذا كان حاراً ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه لامرأته زينب وقد اشتكت عينها : لو فعلت كما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيراً لك وأجدر أن تشفي ،
تنضحين في عينك الماء ، ثم تقولين : " أذهب البأس رب
الناس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء
لا يغادر سقماً " . وهذا مما تقدم مراراً أنه خاص ببعض
البلاد ، وبعض أوجاع العين ، فلا يجعل كلام النبوة الجزئي
الخاص كلياً عاماً ، ولا الكلي العام جزئياً خاصاً ، فيقع من
الخطأ ، وخلاف الصواب ما يقع ، والله أعلم .








في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخدران
الكلي الذي يجمد معه البدن



ذكر أبو عبيد في غريب الحديث من حديث أبي عثمان
النهدي : أن قوماً مروا بشجرة فأكلوا منها ، فكأنما
مرت بهم ريح ، فأجمدتهم ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : " قرسوا الماء في الشنان ، وصبوا عليهم فيما
بين الأذانين " ، ثم قال أبوعبيد : قرسوا : يعني بردوا .
وقول الناس : قد قرس البرد ، إنما هو من هذا بالسين
ليس بالصاد . والشنان : الأسقية والقرب الخلقان ، يقال
للسقاء : شن ، وللقربة : شنة . وإنما ذكر الشنان دون
الجدد لأنها أشد تبريداً للماء . وقوله : بين الأذانين ، يعني
أذان الفجر والإقامة ، فسمى الإقامة أذاناً ، انتهى كلامه .

قال بعض الأطباء : وهذا العلاج من النبي صلى الله عليه
وسلم من أفضل علاج هذا الداء إذا كان وقوعه بالحجاز ،
وهي بلاد حارة يابسة ، والحار الغريزي ضعيف في بواطن
سكانها ، وصب الماء البارد عليهم في الوقت المذكور ، -
وهو أبرد أوقات اليوم - يوجب جمع الحار الغريزي المنتشر
في البدن الحامل لجميع قواه ، فيقوي القوة الدافعة ،
ويجتمع من أقطار البدن إلى باطنه الذي هو محل ذاك الداء ،
ويستظهر بباقي القوى على دفع المرض المذكور ، فيدفعه
بإذن الله عز وجل ، ولو أن بقراط ، أو جالينوس ،
أو غيرهما ،
وصف هذا الدواء لهذا الداء ، لخضعت له الأطباء ،
وعجبوا من كمال معرفته .









تم بحمد الله


ارجو ان اكو قد وفقت فيما قدمت
لكم مني ومن منتديات الشبول كل الحب والاحترام
ودائماً

الجميع في خدمة الجميع

http://stashbox.org/796725/erfd1dj0.gif




beebars_116 12-16-2010 06:06 PM

ما في علاج لرائحة الفم

walid91 12-21-2021 02:45 AM

بارك الله فيك وجزاك كل الخير

عبد العزيز شلبي 02-12-2023 04:23 AM

https://d2s63a22uzwg40.cloudfront.ne...fc350079f0.gif


الساعة الآن 08:19 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.